جاء لزوم التعلّق ووجوبه، والفرض أنّه لا وجوب، وفيه أيضاً نظر.
الرابع: ما في شرح المواقف (1) ، من أنّ الوجود إذا صار بسبب تلك العلّة أَولى بلا وجوب، وكان ذلك كافياً في وقوعه، فلنفرض مع تلك الأَولوية الوجود في وقت والعدم في وقت آخر، فإن لم يكن اختصاص أحد الوقتين بالوجود لمرجّح لم يوجد في الآخر، لزم ترجّح أحد المتساويين بلا سبب، وإن كان لمرجّح لم تكن الأولوية الشاملة للوقتين كافيةً للوقوع، والمقدّر خلافه.
أقول: الأَولوية مرجّحة للوجود، فالعدم لابدّ له من مخصّص فتأمل.
الخامس: ما فيه أيضاً، من أنّ الأولوية لا تنشأ إلاّ من العلّة التامة؛ لأنّه متى فُقد جزء من أجزائها كان العدم أَولى، فإذا فُرض أنّ اختصاص أحد الوقتين لمرجّح لم يوجد في الآخر، لم تكن العلّة التامّة علّةً تامّة، فقد ثبت أنّ الأولوية وحدها غير كافية. وفيه بحث.
هذا ما وجدناه من أدلّتهم، والصحيح عندي، أنّ الآثار الصادرة من العلل الموجبة والأفعال الاختياري التوليدية، ممّا لابدّ من وجوبها قبل وجودها، فما لم يجب شيء منها لم يوجد، وأمّا الأفعال الاختيارية المباشرية ففيها إشكال سندرسه في مسألة الجبر والتفويض.
ثمّ إنّ الموجود من الممكن مع لحاظ وجوده واجب بالضرورة، وهذا هو الوجوب بشرط المحمول، المسمّى بالوجوب اللاحق، وهذا ممّا لا شكّ في تحقّقه، وهكذا الكلام في المعدوم من الممكن، فإنّه مع لحاظ عدمه ممتنع.
فالنتيجة: أنّ كلّ ممكن موجود محفوف بالوجوبين، وكلّ ممكن معدوم محفوف بالامتناعين، هذا مع بقاء الماهية الإمكانية على ما هي عليه من الإمكان الذاتي، غير أنّ في الوجوب السابق للفعل المباشري كلاماً أشرنا إليه آنفاً، بل الوجوب اللاحق يجري في الواجب أيضاً، كما يقال: الله العالم عالم بالضرورة، الله الموجود موجود بالضرورة، وهكذا، كما أنّ الامتناع اللاحق يجري في الممتنع الذاتي أيضاً.
وفيها بيان ملاكها: أقول: بعد ما تقرّر أنّ الممكن لا يقتضي الوجود ولا العدم، وأنّهما بالنسبة إليه متساويان، فقد أصبح احتياج الممكن في وجوده إلى العلّة ضرورياً لا يقبل الترديد، والخفاء الطارئ عليه في بدء النظر إنّما هو؛ لعدم تصوّر الممكن كما هو حقّه، وعدم وضوح مفهومه، وإلاّ فالتصديق في نفسه ضروري، على حدّ التصديق بأنّ الكل أعظم من الجزء. وهذا
____________________
(1) شرح المواقف 1 / 419.