20%

أدلة الطرفين تقتضي اعتبارهما معاً فيها.

أقول: يبطل القول الأَوّل بأنّ الإمكان أحوجَ الممكن في وجوده إلى المؤثّر، فالحدوث متعلّق الحاجة لا سببها، وأمّا الممكن الباقي فهو كالحادث منه في الاحتياج على ما سيمرّ بك بحثه، ويلحق بالباقي المعدوم الممكن في الحاجة، فإنّ عدم علّة الوجود علّة لعدم المعلول، وهذا ممّا لابدّ منه؛ لئلا يلزم ترجّح أحد المتساويين على الآخر، وممّا ذكرنا تسقط بقية الأوهام أيضاً.

وقال المحدّث المجلسي قدّس سره (1) : وأحد الآخرين - علّية الحدوث أو الإمكان بشرط الحدوث - هو الظاهر من أكثر الأخبار.

أقول: نحن وإن لم نلاحظ تلك الأخبار بتمامها، إلاّ أنّا لا نقبل منه هذا الاستظهار، وأنّ الروايات لا تثبت ذلك كما ظهر لنا من ملاحظة بعضها فلاحظ.

وأمّا قول بعض أتباع ماركس فحاصله: أنّه لا وجود متحرّر من الحاجة أصلاً، مستنداً في ذلك إلى التجارب التي حُقّقت في مختلف ميادين الكون، على أنّ الوجود بشتى ألوانه التي كشفت عنها التجربة، لا يتجرّد عن سببه، ولا يستغني عن العلة، واستنتجوا منه إنكار الواجب الوجود، فإنّه وجود لا علّة له، وقالوا: إنّ القول به قول بالصدفة!

أقول: وفيه أَوّلاً: إنّ الوجود ليس علّةً للافتقار، والتجربة لا تقدر أن تثبت مثل هذه المسألة العقلية، فإنّ المحسوس هو احتياج الموجود إلى العلّة، أمّا أنّ مِلاكه هل هو الوجود أو الحدوث أو الإمكان فلا، بل العلّة هي الإمكان كما عرفت.

وثانياً: إنّ التجربة إنّما تحكم على ما هو في سلطانها من المادّيات المحسوسة، ولا نفوذ لها إلى مطلق الوجودات، وهذا ظاهر، إلاّ أن تغلب الغباوة على الشخص!

الخاصية الثالثة: حاجة الممكن بقاءً

حينما انقدح سببية الإمكان للحاجة، فقد لاح أنّ الممكن كما يحتاج في حدوثه إلى المؤثر يحتاج في بقائه أيضاً إليه، فإنّ الإمكان ممتنع الانفكاك عن المهية الممكنة، وإلاّ لانقلب الممكن واجباً أو ممتنعاً، وهو ضروري الاستحالة، وعليه فالافتقار ضروري الثبوت بداهة عدم إمكان تخلّف المعلول عن العلة، كل ذلك ظاهر.

____________________

(1) بحار الأنوار 14 / 52.