6%

تحليل وتسجيل

الماهية قبل انتسابها وارتباطها بجاعلها لا شيء محض، وإنّما تتحقّق بجعل الجاعل، فهذا التحقّق والتكوّن والتبرّز - وما شئت فسمِّه - أمر خارج عن نفسها، مترشّح من فاعلها وخالقها، فالماهية كما تحتاج في حدوثها إلى المؤثّر المكوّن المحقّق كذلك في بقائها، فإنّ التكوّن الجائي من قبل الجاعل لا يصير ذاتياً لها بعد الحدوث حتى ينقطع حاجتها إليه.

ومنه يبطل السؤال المشهور عن التأثير، وأنّه أمّا في الوجود الحاصل فهو تحصيل الحاصل المحال، وأمّا في الوجود الجديد فيكون التأثير في أمر جديد، فلم يثبت التأثير في الباقي.

وجه البطلان: أنّ التأثير في بقاء ذلك الوجود السابق وأثر الجعل هو البقاء، فإنّ الماهية المتحقّقة لا اقتضاء لها لتحقّقها في الآن الثاني، فتفتقر فيه إلى مؤثّر يبقي تحقّقها الأَوّل بحاله.

ولعلّ ما قيل: من اختيار الشق الأَوّل من السؤال، وأنّ التأثير في الوجود الأَوّل لكن في الزمان الثاني، وهذا تحصيل للحاصل في الزمان الأَوّل، في الزمان الثاني يرجع إلى ما قرّرنا.

ثمّ لا ينبغي للباحث أن يتوهّم (1) - كما توهّم - أنّ استمرار الوجود الأَوّل إمّا حاصل قبل هذه الحالة، وإمّا ليس بحاصل، فعلى الأَوّل يلزم تحصيل الحاصل، وعلى الثاني يلزم التأثير في الأمر الجديد؛ ضرورة أنّ إبقاء الوجود الأَوّل لا يعدّ من التأثير في الجديد.

هذا وإن شئت وضوح ما قلنا فاعتبر كيفية الصور المرتسمة في ذهنك، فإنّها كما يستحيل حدوثها من غير الالتفات والتوجّه، كذلك يمتنع بقاؤها مع الغفلة والذهول.

ويمكن أن نختار الشق الثاني ونقول: إنّ أثر التأثير هو الوجود الثاني على سبيل الاتّصال بالوجود الأَوّل من غير انقطاع، وهذا يسمّى عند العرف بالاستمرار، فليس فيه خلاف الفرض؛ لأنّه ليس بأمر جديد، وإنّما يلزم خلاف الفرض لو كان الوجود الثاني منفصلاً عن الوجود الأَوّل، ولك أن تقيس المقام بضياء الكهرباء، حيث يتولّد من الطاقة الكهربائية في كلّ آن ضوءاً جديداً ونوراً ثانياً، ومع ذلك كان الوجودات المتلاحقة عندهم استمراراً وبقاءً كما لا يخفى.

تكميل وتطبيق

هذا كلّه حسب كون الإمكان هو العلّة للافتقار، وأمّا بناءً على سببية الحدوث، أو شطريته أو شرطيته فيلزم كون الممكن بعد حين الحدوث مستغنياً عن المؤثّر؛ إذ لا حدوث بعد الحدوث الأَوّل حتى يفتقر، وقد التزمه جماعة من القائلين بها، وقالوا: إنّه لو جاز العدم على الواجب الوجود لبقي العالم بحاله، ومثّلوا ببقاء البناء بعد فناء البنّاء.

____________________

(1) درر الفوائد / 136.