6%

المقصد الأَوّل

في بيان الطرق إلى معرفة

الواجب لذاته

وهو من أشرف المقاصد وأعظمها وأجلّها وأهمها، بل لا تكتسب مسألة علمية شرفاً وفضلاً ما لم تخدم هذا المقصد، فهو آخر ما تُناخ به الرواحل العقلية في سفر السعادة والفضيلة. ( أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) ( أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ ) .

وصُرط التصديق الحقّة المستقيمة، إلى الواجب القديم القدوس الأقدس - جلّت كبريائه وعَظُم سلطانه - متعدّدة، وإليك منها ما يناسب هذه الرسالة:

الصراط الأَوّل: إنّ العقل لا يرى الموجود الواجب لذاته مستحيلاً، بل يحكم بإمكانه إمكاناً عامّاً، ولا سيما قد شاهد الواجب الذاتي بنحو مفاد كان الناقصة، مثل زوجية الأربعة، ورطوبة الماء، ودسومة الدهن ونحوها، فإذا أمكن، وُجد وثبت من دون شرط وسبب، على ما أسلفنا برهانه.

وهذا الصراط أشرف الصُرط المذكورة في هذا المقصد، ليس له زيادة مؤونة، ولا توقّف له على استحالة الدور والتسلسل، بلا ولا على وجود ممكن، كل ذلك ظاهر جداً.

ولزيادة التأكيد لحكم العقل بعدم امتناع الواجب نقول: إنّ العقلاء - مليين كانوا أو ماديين (1) - اتفقوا في كلّ زمان ومكان، على الإذعان بوجود المبدأ الأَوّل في الخارج، وهذا ممّا يؤيّد استقلال العقل بعدم امتناع مثل هذا الوجود، والعجب من ذهول الباحثين عن هذا البرهان؛ حيث لم يذكروه في هذا المقام (2) .

الصراط الثاني: إنّ الأحاسيس قد قضت على أنّ في الخارج موجوداً ما، فهو إن كان واجباً لذاته فقد حصل الغرض، وإن كان ممكناً فهو يستلزم المقصود؛ لاستحالة الدور والتسلسل، وهذه الحجّة غير قائمة بوجود الممكن كما هو ظاهر.

____________________

(1) غير مَن قال منهم بجواز الترجّح بلا مرجّح (إن كان).

(2) وبه يمكن أن يفسّر ما أُثر عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام : (يا مَن دلّ على ذاته بذاته)، وما عن السجّاد عليه‌السلام : (بك عرفتك وأنت دللتني عليك).