كلها تناسب العالم الذي قد ذاع صيته وانتشر علمه وأدبه وخلف من وراءه تراثاً ينفع ويؤتي أكله كل حين باذن ربه فيكون له لسان صدق في الآخرين.
لقد كان من نفوذ بصيرة العباس أنّه لم تقنعه هاتيك التضحية المشهودة منه والجهاد البالغ حدّه حتى راقه أن يفوز بتجهيز المجاهدين في ذلك المأزق الحرج والدعوة إلى السعادة الخالدة في رضوان الله الأكبر، وأن يحظى بأجور الصابرين على ما يلم به من المصاب بفقد الأحبة، فدعى أخوته من أمه وأبيه، وهم عبد الله وجعفر وعثمان وقال لهم: تقدّموا حتى أراكم نصحتم لله ولرسوله فانه لا ولد لكم (1) فانه أراد بذلك تعريف اخوته حق المقام، وأنّ مثولهم بهذا الموقف لم يكن مصروفاً إلّا إلى جهة واحدة، وهي المفادات والتضحية في سبيل الدين إذ لم يكن لهم أي شائبة أو شاغلة تلهيهم عن القصد الأسنى من عوارض الدنيا من مراقبة أمر الأولاد بعدهم ومن يرأف بهم ويربيهم، فاللازم حينئذ السير إلى الغاية الوحيدة، وهي الموت دون حياة الشريعة المقدسة، فكانوا كما شاء ظنه الحسن بهم حيث لم يألوا جهداً في الذب عن قدس الدين حتى قضوا كراماً متلفعين بدم الشهادة.
ولكن هلمّ واقرأ العجيب الغريب فيما ذكر ابن جرير الطبري في التاريخ (2) قال: وزعموا أنّ العباس بن علي قال لأخوته من أمه وأبيه عبد الله وجعفر وعثمان: يا بني أمي تقدّموا حتى أرثكم فانّه لا ولد لكم، ففعلوا وقتلوا.
وقال أبو الفرج في «مقاتل الطالبين»: قدم أخاه جعفر بين يديه لأنّه لم يكن له ولد ليحوز ميراثه العباس، فشدّ عليه هاني بني ثبيت فقتله.
__________________
(1) إرشاد المفيد: 240.
(2) تاريخ الطبري 6 / 257.