قال: فصاح أهل المدينة صيحة واحة وعلت أصوات بني هاشم بالبكاء والنحيب وقالوا: الوداع.. الوداع، الفراق.. الفراق.
فقال العباس: هذا والله يوم الفراق والملتقي يوم القيامة.
ثم صاروا قاصدين كربلاء مع عياله وجميع أولاده ذكوراً وإناثاً إلا ابنته فاطمة الصغرى، فانها كانت مريضة (1) .
وكأني بأم البنين عليهاالسلام تشهد هذا الموقف الذي تتألم له صم الصخور، وهي تودع ريحانة النبي صلىاللهعليهوآله وحرمه وابناءها البررة، وتوصي أولادها بأخواتهم وسيدهم ومولاهم الحسين عليهالسلام ، وتقول لهم: كونوا فداءً لسيدكم وكونوا له عيناً ودرعاً، واجعلوا قلوبكم دروعكم للدفاع عنه وعن حرمه، ولا تقصروا في الذبّ عنه، وبيضوا وجهي عند أمه وأبيه وجده وأخيه وعنده.
قال في «اللهوف»: قال الراوي: ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة قال بشير بن حذلم: فلما قربنا منها نزل علي بن الحسين فحط رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه وقال: يا بشر رحم الله أباك لقد كان شاعراً فهل تقدر على شيء منه؟
فقلت: بلى يا ابن رسول الله، إني لشاعر.
فقال عليهالسلام : ادخل المدينة وانع أبا عبد الله.
قال بشير: فركبت فرسي وركضت حتى دخلت المدينة، فلما بلغت مسجد النبي صلىاللهعليهوآله رفعت صوتي بالبكاء فأنشأت أقول:
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها | قتل الحسين فأدمعي مدرار | |
الجسم منه بكربلاء مضرج | والرأس منه على القناة يدار |
__________________
(1) معالي السبطين 1 / 221.