10%

الليلة - التي كان من المقرر أن يباشروا العمل في صبيحتها - في ما يرى النائم أبا الفضل العباس عليه‌السلام وهو يقول له - بما معناه -: إنّي لا أرضى بتذهيب منائر روضتي، فان منائر روضة سيدي الامام الحسين عليه‌السلام مذهّبة، ولا بد أن يكون ثمة فرق بين روضة العبد وروضة سيده.

وفي الصباح الباكر أقبل سادن الروضة العباسية المباركة وأخبرهم بما قاله أبو الفضل العباس عليه‌السلام وأدى رسالته اليهم، فكفوا عن العمل، وانفقوا الذهب الذي جاءت به الملكة على الفقراء والمعوزين بحساب أبي الفضل العباس (1) .

ويستفاد من هذه القصة أمران:

الأول: إنّ أدب أبي الفضل العباس عليه‌السلام ووفائه لأخيه الحسين عليه‌السلام لم يكن مقصوراً على أيام حياته، بل بقي كذلك حتى بعد شهادته، علماً لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.

والثاني: إنّ الفقراء والمعوزين كانوا من الكثرة بمكان في ذلك الزمان، وقد شملتهم أفضال أبي الفضل العباس عليه‌السلام .

شجاعة أبي الفضل العباس عليه‌السلام :

الشجاعة من أسمى صفات الرجولة، وهي صفة الاعتدال التي يحدّها الجبن والتهور، فالشجاع لا يخاف ولا يتهور فيتعدى على حقوق الآخرين ويتجاوز حدودهم، والشجاع لا يقهر الآخرين تهوراً وظلماً، وكل عمل دني غير إنساني يصدر من أحد إنّما يكون منشاه الجبن أو التهور؛ لأن الشجاعة بمعناها الصحيح حدّ وسط، وملكة نفسانية أكدت عليها التعاليم والآداب الدينية، وهي منحة إلهية تنم عن قوة الشخصية وصلابتها وتماسكها أمام الأحداث، فلا تفاض على كلّ أحد، بل لا بد

__________________

(1) انظر الخصائص العباسية: 229 في وفاء العباس عليه‌السلام .