لنا صنع، أي لسنا مخيرين في أفعالنا التي نفعلها، بل إننا مجبورون بإرادته ومشيئته تعالى، ويتبنى هذا الرأي الأشاعرة. والمفوضة يعتقدون أن الله سبحانه لا صنع له ولا دخل في أفعال العباد، سوى أنه خلقهم وأقدرهم، ثم فوض أمر أفعالهم إلى سلطانهم وإرادتهم، ولا دخل لأي إرادة أو سلطان عليهم، ويتبنى هذا الرأي المعتزلة. ويذهب أهل البيت عليهمالسلام مذهباً وسطاً بين الجبر والتفويض لا يتّصل بالجبر ولا بالتفويض، وهو الأمر بين الأمرين، أو المنزلة بين منزلتين.
قال الشيخ المفيد: « روي عن أبي الحسن الثالث عليهالسلام أنه سئل عن أفعال العباد، فقيل له: هل هي مخلوقة لله تعالى؟ فقال عليهالسلام : لو كان خالقاً لها لما تبرأ منها، وقد قال سبحانه: ( أَنَّ اللَّـهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْـرِكِينَ وَرَسُولُهُ ) (1) ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم، وإنما تبرأ من شركهم وقبائحهم » (2) .
لعل أهم ما ورد عن الامام أبي الحسن الهادي عليهالسلام في هذا السياق رسالته عليهالسلام إلى أهل الأهواز التي تعرض فيها للرد على فكرة الجبر والتفويض، باعتبارها من المسائل التي اُثيرت بقوة في ذلك الوقت، بحيث كانت سبباً للاختلاف بين أصحابه عليهالسلام الى حدّ الفرقة والتقاطع والعداوة، فوضع الامام عليهالسلام النقاط على الحروف في هذه المسألة الحساسة، والرسالة طويلة نأخذ منهافيما يلي بعض ما يتعلق بالموضوع.
بيّن أولاً السبب الباعث لارسالها، فكتب: « بسم الله الرحمن الرحيم.
__________________
(1) سورة التوبة: 9 / 3.
(2) تصحيح الأعتقاد: 29.