فمن زعم أن الله تعالى فوض أمره ونهيه إلى عباده، فقد أثبت عليه العجز، وأوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير وشر، وأبطل أمر الله ونهيه ووعده ووعيده، لعلة ما زعم أن الله فوضها إليه، لأن المفوض إليه يعمل بمشيئته، فإن شدة الكفر أو الايمان كان غير مردود عليه ولا محظور، فمن دان بالتفويض على هذا المعنى، فقد أبطل جميع ما ذكرنا من وعده ووعيده وأمره ونهيه، وهو من أهل هذه الآية: ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّـهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (1) تعالى الله عما يدين به أهل التفويض علواً كبيراً.
لكن نقول: إن الله جل وعز خلق الخلق بقدرته، وملكهم استطاعة تعبدهم بها، فأمرهم ونهاهم بما أراد، فقبل منهم اتباع أمره، ورضي بذلك لهم، ونهاهم عن معصيته، وذم من عصاه وعاقبه عليها، ولله الخيرة في الأمر والنهي، يختار ما يريد ويأمر به، وينهى عما يكره ويعاقب عليه بالاستطاعة التي ملكها عباده لاتباع أمره واجتناب معاصيه، لأنه ظاهر العدل والنصفة والحكمة البالغة، بالغ الحجة بالاعذار والانذار، وإليه الصفوة يصطفي من عباده من يشاء لتبليغ رسالته واحتجاجه على عباده، اصطفى محمداً صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعثه برسالاته إلى خلقه، فقال من قال من كفار قومه حسداً واستكباراً: ( لَوْلَا نُزِّلَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) (2) يعني بذلك أمية بن
__________________
(1) سورة البقرة: 2 / 85.
(2) سورة الزخرف: 43 / 31.