أبي الصلت وأبا مسعود الثقفي، فأبطل الله اختيارهم، ولم يجز لهم آراءهم حيث يقول: ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) (1) ولذلك اختار من الامور ما أحب، ونهى عما كره، فمن أطاعه أثابه، ومن عصاه عاقبه، ولو فوض اختيار أمره إلى عباده لأجاز لقريش اختيار أمية بن أبي الصلت وأبي مسعود الثقفي، إذ كانا عندهم أفضل من محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلما أدب الله المؤمنين بقوله: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (2)، فلم يجز لهم الاختيار بأهوائهم، ولم يقبل منهم إلا اتباع أمره واجتناب نهيه على يدي من اصطفاه، فمن أطاعه رشد، ومن عصاه ضل وغوى، ولزمته الحجة بما ملكه من الاستطاعة لاتباع أمره واجتناب نهيه، فمن أجل ذلك حرمه ثوابه، وأنزل به عقابه.
وهذا القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض، وبذلك أخبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه عباية بن ربعي الأسدي حين سأله عن الاستطاعة التي بها يقوم ويقعد ويفعل. فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : سألت عن الاستطاعة تملكها من دون الله أو مع الله؟ فسكت عباية، فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : قل يا عباية. قال: وما أقول؟ قال عليهالسلام : إن قلت إنك تملكها مع الله قتلتك، وإن قلت تملكها دون الله قتلتك.
__________________
(1) سورة الزخرف: 43 / 32.
(2) سورة الأحزاب: 33 / 36.