سادت الكثير من مظاهر الفوضى والشغب والاضطراب في هذا المقطع التاريخي من عمر الدولة العباسية، تتمثل في انتقاض أطرافها، واستقلال بعض ولاياتها، والعدوان الأجنبي على بعض أعمالها، وكثرة الثورات الداخلية، إلى غير ذلك من مظاهر عدم الاستقرار السياسي والأمني الناجمة عن ضعف القدرة المركزية للسلطة وتلاشي هيبتها وتعدد الارادات السياسية فيها، لتدخل قادة الجند الأتراك والمغاربة والفراغنة في شؤونها وإشاعتهم الظلم والقهر والاستبداد. وفيما يلي نعرض لأهم تلك المظاهر، ونذكر بعض الأمثلة من المصادر التي أرّخت لهذا العصر:
شهدت الدولة العباسية - للفترة التي نؤرّخ لها - فتنا متصلة وأعمال قتل وحرق وسلب ونهب لم تسلم منها حتى العاصمة سامراء.
ففي زمان المعتصم خرجت المحمرة بالجبل فقتلوا وقطعوا الطريق وأخافوا السبيل وتعرضوا للحاج (1)، وفي سنة 219 هجم الزط على البصرة وعاثوا فيها الفساد وخرّبوا البلاد (2)، وخرج محمد بن عبيدالله الورثاني بورثان (3) .
وفي زمان الواثق انتقضت أرمينية، وتغلب ملوك الجبال على ما يليهم، وضعف أمر السلطان (4) .
__________________
(1) تاريخ اليعقوبي 2: 471.
(2) البداية والنهاية 10: 308، تاريخ اليعقوبي 2: 472.
(3) تاريخ اليعقوبي 2: 475.
(4) تاريخ اليعقوبي 2: 481.