وانبرى الإمام أمير الؤمنين (عليه السّلام) وهو خائر القوى، منهدّ الركن إلى تجهيز جثمان سيد الأنبياء (صلّى الله عليه وآله) فغسّل الجسد الطاهر، وهو يقول بذوب روحه:«بأبي أنت واُمّي! لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوّة والأنباء وأخبار السماء، خصصت حتّى صرت مسلّياً عمّن سواك، وعممت حتّى صار الناس فيك سواء. ولولا أنّك أمرت بالصبر، ونهيت عن الجزع لأنفذنا عليك ماء الشؤون، ولكان الداء مماطلاً، والكد مخالفاً» (١) .
وكان العباس واُسامة يناولانه الماء من وراء الستر(٢) .
وكان بدن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تفوح منه روائح الطيب، والإمام (عليه السّلام) يقول:«بأبي أنت واُمّي يا رسول الله! طبت حيّاً وميّتاً» (٣) . وبعد الفراغ من غسله أدرجه الإمام في أكفانه ووضعه على السرير. وأوّل مَنْ صلّى على الجثمان العظيم هو الله تعالى من فوق عرشه، ثمّ جبرئيل، ثمّ إسرافيل، ثمّ الملائكة زمراً زمراً(٤) .
وبعد ذلك صلّى عليه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، ثمّ أقبل المسلمون للصلاة عليه، فقال لهم الإمام:«لا يقوم عليه إمام منكم، هو إمامكم حيّاً وميّتاً» . فكانوا يدخلون رسلاً رسلاً فيصلون عليه صفاً واحداً، ليس لهم إمام، وأمير المؤمنين واقف إلى جانب الجثمان، وهو يقول:«السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته. اللّهمّ إنّا نشهد أنه قد بلّغ ما
____________________
(١) نهج البلاغة - محمّد عبده ٢ / ٢٥٥.
(٢) وفاء الوفاء ١ / ٢٢٧، البداية والنهاية ٥ / ٦٣.
(٣) حلية الأولياء ٤ / ٧٧.
(٤) المصدر السابق.