واشف بزوال أمره القلوب المنقلبة الوجلة والافئدة اللهفة، والاُمّة المتحيرة، والبرية الضائعة، وأدل ببواره الحدود المعطلة، والأحكام المهملة، والسنن الدائرة، والمعالم المغيرة، والآيات المحرفة، والمدارس المهجورة، والمحاريب المجفوة، والمساجد المهدومة، وأشبع به الخماص الساغبة، وأرو به اللهوات اللاغبة، والأكباد الظامئة، وأرح به الأقدام المتعبة، واطرقه بليلة لا اخت لها، وساعة لا شفاء منها، وبنكبة لا انتعاش معها، وبعثرة لا إقالة منها، وأبح حريمه، ونغص نعمته، وأره بطشتك الكبرى، ونقمتك المثلى، وقدرتك التي هي فوق كلّ قدرة، وسلطانك الذي هو أعزّ من سلطانه، واغلبه لي بقوتك القوية، ومحالك الشديد، وامنعني بمنعتك التي كل خلق فيها ذليل، وابتله بفقر لا تجبره، وبسوء لا تستره، وكله إلى نفسه فيما يريد، إنك فعال لما تريد... » (1) .
كان المتوكل قد بايع بولاية العهد لابنه المنتصر ثمّ المعتز ثمّ المؤيد، ثمّ انه أراد تقديم المعتز لمحبته لاُمه قبيحة، فسأل المنتصر أن ينزل عن العهد فأبى، فكان يُحضره مجلس العامة ويحطّ من منزلته ويهدده ويشتمه ويتوعده، واتفق أن انحرف الترك عن المتوكل لاُمور، فاتفق الأتراك مع المنتصر على قتل أبيه، فدخل عليه خمسة في جوف الليل وهو سكران ثمل في مجلس لهوه، فقتلوه هو ووزيره الفتح بن خاقان، ثم بايعوا المنتصر بالخلافة، وأشاعوا أن الفتح قد قتل المتوكل فقتلناه به، ثم أخذوا البيعة من سائر بني العباس وسائر أمراء الجيش وذلك لأربع خلون من شوال سنة 247 هـ.
__________________
(1) مهج الدعوات: 330، بحار الأنوار 95: 234 / 30.