ليس ثمة شك يراود من استقرأ ما كتبه مترجمو مؤلف هذه الرسالة أبي الفتح محمّد بن علي بن عثمان، المشهور بالشيخ الكراجكي رحمهالله برحمته الواسعة، بل وفي جملة ما خلفه من تراث فكري كبير احتوى بمساحته الكثير من العلوم المختلفة بأنه بلا شك من أجلة علماء عصره، وفقهاء ومفكري دهره.
ولا غرو في ذلك، فإن ذلك الاستقراء المتعدد الجوانب يثير في ذهن المرء الاكبار والإجلال لهذه الشخصية الجليلة التي ما زال - ورغم كل ما نذكره - غبار الغفلة عن دراستها دراسة موضوعية شاملة يلقي بضلاله الرمادية المعتمة عليها، وذلك مما يثير الاسى في قلوب الباحثين والدارسين الدائرين حول الكيان المبارك والمعطاء لها.
ولا مغالاة فيما أقول، فإن الدراسة المتفحصة لهذه الشخصية العلمية الفذة بنتاجاتها المتعددة، وقدراتها الفكرية والعقائدية الواسعة، والإشادة الصريحة بكل ذلك من قبل معاصريه ومؤرخي سيرته القريبين من عصره، بل ومن تلاهم من رجال العلم والادب وغيرهما، وبالمقارنة الموضوعية مع الفترة الزمنية التي عاصرها، كل ذلك يوشي بصدق ما أشرنا إليه، وألمحنا إلى وجوده.
فالعلامة الكراجكي رحمهالله عند عده من قبل مترجميه بأنه شيخ الفقهاء والمتكلّمين، ووحيد عصره، وفريد دهره في الكثير من العلوم والمعارف المختلفة كالنحو واللغة والطب وغيرها لم يأت هذا الأمر من خواء وفراغ قطعاً، فمؤلفاته التي تزدان بها المكتبة الإسلامية، والتي أمست مراجع عطاء مشهودة للمتزودين من صافي علوم دوحة الرسالة المحمّدية المباركة، ومعينها الذي لا ينضب، كل ذلك يحوي دلالات واضحة على مدى المكانة العلمية له.
ثم أنّه لا يمكن بحال اطلاق هذا الحكم بمعزل عن الدراسة الموضوعية