25%

الجواب عن السؤال الثالث:

فأمّا الحجّة على أنّ المراد بلفظة « مولى » في خبر الغدير « الأولى » فهي أنّ من عادة أهل اللسان في خطابهم، إذا أوردوا جملة مصرّحة وعطفوا عليها بكلام محتمل لِما تقدّم به التصريح ولغيره، فإنّهم لا يريدون بالمحتمل إلا ما صرّحوا به من الخطاب المتقدِّم.

مثال ذلك: أنّ رجلاً لو أقبل على جماعة فقال: الستم تعرفون عبدي فلاناً الحبشي؟ ثم وصف لهم أحد عبيده وميّزه عنهم بنعتٍ يخصّه صرّح به، فإذا قالوا: بلى، قال لهم عاطفا على ما تقدّم: فاشهدوا أن عبدي حرٌّ لوجه الله عزّوجلّ، فأنّه لا يجوز ان يريد بذلك ألا العبد الذي سماه وصرّح بوصفه دون ما سواه، ويجري هذا مجرى قوله: فاشهدوا أن عبدي فلاناً حرّ، ولو أراد غيره من عبيده لكان ملغزا غير مبين في كلامه.

واذا كان الأمر كما وصفناه، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يزل مجتهداً في البيان، غير مقصّر فيه عن الإمكان، وكان قد أتى في أوّل كلامه يوم الغدير بأمر صرّح به، وقرر أمّته عليه، وهو أنّه أولى بهم منهم بأنفسهم، على المعنى الذي قال الله تعالى في كتابه: ( النَّبِيُّ أوْلَى بِالمُؤمِنيِنَ مِن أنفُسِهِم ) (40) ثم عطف على ذلك بعد ما ظهر من اعترافهم بقوله: « فمن كنت مولاه فعلي مولاه » وكانت « مولاه » (41) تحتمل ما صرّح به في مقدمة كلامه وتحتمل غيره، لم يجز أن يريد إلا ما صرّح به في كلامه الذي قدّمه، وأخذ إقرار أمّته به دون سائر أقسام « مولى »، وكان هذا قائماً مقام قوله « فمن كنت أولى به من نفسه فعليٌّ أولى به من نفسه »، وحاشى لله أن لا يكون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد هذا بعينه.

__________________

(40) الأحزاب 6: 33.

(41) في نسخة « ه‍ » مولى.