وأمّا الحجّة على أن لفظة « أوْلى » تفيد معنى الإمامة والرئاسة على الاُمّة، وفهو انا نجد أهل اللغة لا يصفون بهذه اللفظة إلا من كان يملك تدبير ما وصف بأنّه أولى به، وتصريفه وينفذ فيه أمره ونهيه. ألا تراهم يقولون: إنّ السلطان أولى بإقامة الحدود من الرعيّة، والمولى أوْلى بعبده، والزوج أولى بأمرأته، وولد الميّت أولى بميراثه من جميع أقاربه، وقصدهم بذلك ما ذكرناه دون غيره.
وقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله سبحانه: ( النَّبِيُّ أولى بِالمُؤمنِينَ مِن أنفُسِهِم ) (42) أنّه أولى بتدبيرهم والقيام باُمورهم، من حيث وجبت طاعته عليهم (43) .
وليس يشكّ أحد من العقلاء في أنّ من كان أوْلى بتدبير الخلق وأمرهم ونهيهم من كلّ أحد منهم، فهو امامهم المفترض الطاعة عليهم.
ووجه آخر:
ومما يوضّح أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أراد أن يوجب لأمير المؤمنين عليهالسلام بذلك منزلة الرئاسة والإمامة والتقدّم على الكافّة فيما يقتضيه فرض الطاعة، أنّه قررهم بلفظة « أوْلى » على أمر يستحقّه عليهم من معناها، ويستوجبه من مقتضاها، وقد ثبت أنّه يستحقّ في كونه أولى بالخلق من أنفسهم أنّه الرئيس عليهم، والنافذ الأمر فيهم، والذي طاعته مفترضة على جميعهم، فوجب أن يستحقّ أمير المؤمنين عليهالسلام مثل ذلك بعينة، لأنّه جعل له منه مثل ما هو واجب له، فكأنّه قد قال: من كنت أولى به من نفسه في كذا وكذا فعليّ أولى به من نفسه فيه.
__________________
(42) الأحزاب 6: 33.
(43) تفسير الطبري 77: 21، الجامع لأحكام القرآن - للقرطبي - 122: 14، التفسير الكبير - للفخر الرازي - 195: 25، زاد المسير - لابن الجوزي - 352: 6.