50%

فصل وزيادة

فأمّا الّذين ادّعوا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما قصد بما قاله في أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الغدير أن يؤكّد ولاءه في الدين، ويوجب نصرته على المسلمين، وأنّ ذلك على معنى قوله سبحانه: ( والمُؤمنينَ والمُؤمِناتُ بَعضُهُم أوْلياءُ بَعضٍ ) (44) وإنّ الذي أوردناه من البيان على أنّ بلفظة « مولى » يجب أن تطابق معنى ما تقدّم به التقرير في الكلام، وأنه لا يسوغ حملها على غير ما يقتضي الإمامة من الأقسام، يدلّ على بطلان ما ادّعوه في هذا الباب، ولم يكن أمير المؤمنين عليه‌السلام بخامل الذكر فيحتاج إلى أن يقف به في ذلك المقام يؤكّد ولاءه على الناس، بل قد كان مشهورا، وفضائله ومناقبه وظهور علوّ مرتبته وجلالته قاطعاً للعذر في العلم بحاله عند الخاصّ والعامّ (45) .

على أنّ من ذهب في تأويل الخبر إلى معنى الولاء في الدين والنصرة، فقوله داخل في قول من حمله على الإمامة والرئاسة، لأنّ إمام العالمين تجب موالاته في الدين، وتتعيّن نصرته على كافّة المسلمين، وليس من حمله على الموالاة في الدين والنصرة يدخل في قوله ما ذهبنا إليه من وجوب الإمامة، فكان المصير إلى قولنا أوْلى.

__________________

(44) التوبة 71: 9.

(45) ذكر ابن حجر في إصابته 2: 507 - بعد سرده لجانب من فضائله ومناقبه عليه‌السلام -: « ومناقبه كثيرة، حتى قال الإمام أحمد: لم يُنقل لأحد من الصحابة ما نُقل لعليّ ».

وليت شعري أنى يذهب البغض بذوي الرؤوس الخاوية لينهجوا هذا النهج من المطل والمماراة والالتفاف حول كلمة الحقّ، ألا رجعوا إلى أنفسهم فسألوها وماذا أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك وقد جمع له الحجيج من بقاع الأرض المختلفة بهذا الجوّ اللاهب والشوق العارم للعودة إلى الأهل والخلان بعد أداء فرض الله تعالى وبعد وعثاء السفر، ألا لا مناص من الإجابة بأن الأمرأعظم وأشد مما ذهبوا إليه، بل وهل هي إلا الوصيّة والخلافة التي يعرفونها كما يعرفون أبناءهم ولكنّهم ينكرون حتى تكون حجّة عليهم يوم القيامة حين يحقّ الحقّ ويبطل الباطل، وعندئذ يخسر المبطلون.