فسكت عثمان ، وانصرف الامام وهو ملتاع حزين منه لأنه لم يرع مقامه ، ولم يلحظ جانبه وقرن بينه وبين مروان.
وعمار بن ياسر فذ من أفذاذ الاسلام ، وعلم من أعلامه ، وقطب من أقطابه ، وصاحب رسول الله6 وخليله لقي في سبيل الاسلام أعظم الجهد ، وأمر البلاء ، وعذب مع أبويه اعنف التعذيب وأقساه ، فقد استضعفتهم جبابرة قريش فصبت عليهم وابلا من العذاب الأليم فألهبت ابدانهم بمكاوى النار ، وضربتهم ضربا موجعا ، ووضعت على صدورهم الاحجار الثقيلة ، وصبت عليهم قربا من الماء ، وكان النبيّ6 يجتاز عليهم فيرى ما هم فيه من المحنة والعذاب فتذوب نفسه اسى وحزنا ، ويقول :
« اصبروا آل ياسر : موعدكم الجنة. »(1)
ويقول وقد اضناه الحزن « اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت »(2)
وبقيت هذه الاسرة التي وهبت حياتها لله تحت التعذيب والارهاق لم تحتفل بما تعانيه من ألم التعذيب وشدته وأصرت على ايمانها بدعوة محمد6 وهي تسخر بأوثان قريش واصنامها فورم من ذلك أنف أبي جهل ، وانتفخ سحره ، وجعلت عيناه تقدحان شررا وغيظا فعمد الى سمية فطعنها في قلبها فماتت وهي اول شهيدة في الاسلام ، وعمد الاثيم بعد ذلك الى ياسر فقتله.
وظل عمار تحت التعذيب حتى اعياه ، وأرهقه فعرضت عليه قريش
__________________
(1) كنز العمال 6 / 85 ، مجمع الزوائد 9 / 293
(2) مسند احمد 1 / 62