حرب معاوية عقيب حادثة النهروان فانهم لم يجيبوه الى ذلك ، وقد تصدى الاشعث بن قيس الى جوابه فقال له :
« يا أمير المؤمنين نفذت نبالنا ، وكلت سيوفنا ، ونصلت أسنة رماحنا ، فارجع بنا الى مقرنا لنستعد بأحسن عدتنا ، ولعل أمير المؤمنين يزيد فى عددنا عدد من هلك منا ، فانه أوفى لنا على عدونا »
وعلى أثر كلام هذا الماكر الخبيث تسلل الجنود من معسكراتهم ، منهزمين ولاذ من لاذ منهم بالمدن القريبة ، وأيقن الامام أنهم مارقون من يده ، ولا طاعة له عليهم ، فاضطر الى الرجوع إلى عاصمته وبهذا نقف على مدى رغبة الجيش في الاستسلام وسئمه من الحرب ، وكلما حاول الامام بعد ذلك بشتى الوسائل والاساليب أن يقضى على هذا الانحلال والتمرد فلم يتمكن.
وفقد الامام في صفين أهم أصحابه الذين يعتمد على اخلاصهم وايمانهم بقضيته ، وهم البقية الصالحة من المهاجرين والانصار الذين ناضلوا عن كرامة الاسلام وشيدوا صروحه ، ولو كانوا في قيد الحياة لما حدث التفكك في جيشه ، وقد حزن عليهم حزنا مرهقا ، وبكى عليهم أمر البكاء وقد تذكرهم وهو يخطب على منبر الكوفة فصعد آهاته وبث زفراته وانطلق يقول : « ما ضرّ إخواننا الذين سفكت دماؤهم بصفين أن لا يكونوا اليوم أحياء يسيغون الغصص ويشربون الرنق(1) ،! ـ قد والله ـ لقوا الله فوفاهم اجورهم ، واحلهم دار الأمن بعد خوفهم ، اين اخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق ، اين عمار ، واين ابن التيهان(2) واين
__________________
(1) الرنق : بكسر النون ، وفتحها ، الشيء الكدر.
(2) ابن التيهان هو مالك بن التيهان بن مالك الأوسى كان احد الستة