أما العرب الذين كانوا معاصرين لتلك الدول فقد إقتبسوا منهم بحكم المجاورة والمخالطة شيئاً من الطب أضافوه إلى ما حصلوه من الكلدان وإلى ما إستنبطوه هم أنفسهم بالفطرة والذكاء والتجارب.
وقد ذكر التاريخ : إن أول من تعاطى الطب من العرب بعد الكهنة ، هم جماعة ممن خالط الروم والفرس في القرن السادس الميلادي وقبل ظهور الاسلام بقليل وأخذوا العلم عنهم ، وكان أشهرهم يومذاك رجل من تيم الرباب يقال له ( ابن حذيم )(1) وهو الذي ضرب به المثل في الحذاقة والطب ، فقيل فيه : ـ أطب من ابن حذيم ـ وقد قال فيه الشاعر أوس بن حجر :
فهل لكم فيها إليّ فانني | بصير بما أعيى النطاسي حذيما(2) |
ثم جاء بعده الحارث بن كلدة(3) طبيب العرب الشهير المتوفى في عام 50 ه وهو خريج مدرسة جنديسابور(4) المعروفة في خوزستان الفرس والشهيرة عند
__________________
(1) راجع ترجمته في كتابنا معجم أدباء الاطباء ج 1.
(2) حذف لفظ ابن إعتماداً على الشهرة ولاستقامة الوزن.
(3) راجع ترجمته في معجمنا ج 1.
(4) جنديسابور مدينة في خوزستان في الجنوب الغربي من إيران بناها كسرى الأول سابور بن أردشير الساماني سنة 250 م فنسبت إليه ، وكان قد أسكنها سبي الروم وطائفة من جنده ، وقد إفتتحها المسلمون سنة 19 ه. وكانت فيها مدرسة عظيمة يدرس فيها الطب وساير العلوم المختلفة وكان القائم بتدريسها نصارى النسطور ( النسطوريون ) الذين حملوا إليها مؤلفات اليونان الطبية والفلسفية وترجموا الكتب إلى السريانية التي كانت لغة التدريس في تلك المدرسة ، وقد إشتهرت هذه ـ