فَرْض الفاعل تامَّ الفاعليّة ـ والمراد به كونه فاعلا بالفعل بإنضمام بقيّة العلل إليه ـ لا يوجب تغيُّرَ نسبتِهِ في نفسه إلى الفعل من الإمكان إلى الوجوب.
واحتجّ المتأخّرون(1) على جواز كون الشيء الواحد من حيث هو واحد فاعلا وقابلا بلوازم الماهيّات سيّما البسائط منها ، فما منها إلاّ وله لازم أو لوازم كالإمكان وكونه ماهيّةً ومفهوماً ، وكذا المفاهيم المنتزعة من ذات الواجب (تعالى) كوجوب الوجود والوحدانيّة ، فإنّ الذات فاعلٌ لها وقابلٌ لها.
والحجّة ـ كما عرفت ـ لا تتمّ إلاّ فيما كان القبول فيه بمعنى الاتّصاف ، فالقبول والفعل فيه واحدٌ.
وأمّا ما كان القبول فيه انفعالا وتأثّراً واستكمالا ، فالقبول فيه يلازم الفقدانَ ، والفعل يلازم الوجدانَ ، وهما متنافيان لا يجتمعان في واحد.
الفصل الحادي عشر
في العلّة الغائيّة وإثباتها
سيأتي ـ إن شاء الله(2) ـ بيان أنّ الحركة كمالٌ أوّلُ لما بالقوّة من حيث إنّه بالقوّة(3) ، فهناك كمالٌ ثان يتوجّه إليه المتحرّك بحركته المنتهية إليه ، فهو الكمال الأخير الذي يتوصّل إليه المتحرّك بحركته ، وهو المطلوب لنفسه ، والحركة مطلوبة لأجله ، ولذا قيل(4) : «إنّ الحركة لا تكون مطلوبةً لنفسها ، وإنّها لا تكون ممّا تقتضيه ذات الشيء».
وهذا الكمال الثاني هو المسمّى «غاية الحركة» ، يستكمل بها المتحرّكُ ، نسبتها إلى الحركة نسبةَ التمام إلى النقص ، ولا تخلو عنها حركةٌ وإلاّ إنقلبت سكوناً.
__________________
(1) هكذا احتجّ عليه الفخر الرازيّ في المباحث المشرقيّة ج 1 ص 516.
(2) راجع الفصل الثالث من المرحلة التاسعة.
(3) كذا رسّمها أرسطو على ما نقل عنه في المباحث المشرقيّة ج 1 ص 549.
(4) كما قال الشيخ الرئيس في التعليقات ص 108 : «الغرض في الحركة الفلكية ليس هو نفس الحركة بما هي هذه الحركة ...».