الفصل الرابع
في شطر من أحكام العدم
قد تقدّم(1) أنّ العدم لا شيئيّة له ، فهو محضُ الهلاك والبطلان(2) .
وممّا يتفرّع عليه أن لا تمايزَ في العدم(3) ، إذ التمايز بين شيئين إمّا بتمام الذات كالنوعين تحت مقولتين أو ببعض الذات كالنوعين تحت مقولة واحدة أو بما يعرض الذات كالفردين من نوع ، ولا ذات للعدم.
نعم ، ربّما يضاف العدم إلى الوجود ، فيحصل له حظٌّ من الوجود ويتبعه نوعٌ من التمايز ، كعدم البصر الذي هو العمى ، والمتميَّز من عدم السمع الذي هو الصَمَم ، وكعدم زيد وعدم عمرو المتميَّز أحدُهما من الآخر.
وبهذا الطريق ينسب العقلُ إلى العدم العليّةَ والمعلوليّةَ حذاءَ ما للوجود من ذلك ، فيقال : «عدم العلّة علّة لعدم المعلول» حيث يضيف العدم إلى العلّة والمعلول فيتميّز العدمان ، ثمّ يبنى عدم المعلول على عدم العلّة كما كان يتوقّف وجود المعلول على وجود العلّة(4) ، وذلك نوعٌ من التجوّز(5) ، حقيقته الإشارة إلى ما بين الوجودين من التوقّف(6) .
ونظير العدمِ المضاف العدمُ المقيّد بأيِّ قيد يقيّده كالعدم الذاتي والعدم الزّماني والعدم الأزلي. ففي جميع ذلك يتصوّر مفهوم العدم ويفرض له مصداق على حدّ سائر المفاهيم ، ثمّ يقيّد المفهوم فيتميّز المصداق ، ثمّ يحكم على المصداق على ما
__________________
(1) في الفرع الثامن من الفروع المذكورة في الفصل الثاني.
(2) راجع الأسفار ج 1 ص 340 ـ 341 ، وكشف المراد ص 29 ـ 30.
(3) راجع الأسفار ج 1 ص 348 ، وشرح المنظومة ص 47. خلافاً للمحقّق الطوسيّ حيث ذهب إلى تمايز الأعدام ، فراجع كشف المراد ص 43 ، وشوارق الإلهام ص 66 ـ 67.
(4) هذا أوّل الوجوه التي استدلّ المحقّق الطوسيّ بها على تمايُز الأعدام ، فراجع كشف المراد ص 43 ، وشوارق الإلهام ص 66 ـ 67.
(5) كما في شرح المنظومة ص 48.
(6) وأجاب عنه أيضاً صدر المتألّهين في الأسفار ج 1 ص 350 ـ 351.