قبلَ ثبوتها العينيّ الخاصّ بها.
الفصل الثاني عشر
في العناية والقضاء والقدر
ذكروا(1) أنّ من مراتب علمه (تعالى) العناية والقضاء والقدر ، لصدق كلّ منها بمفهومه الخاصّ على خصوصيّة من خصوصيّات علمه (تعالى).
أمّاالعناية (2) : وهي كون الصورة العلميّة علّةً موجبةً للمعلوم الذي هو الفعل ، فإنّ علمه التفصيليّ بالأشياء وهو عين ذاته علّةٌ لوجودها بماله من الخصوصيّات المعلومة ، فله (تعالى) عنايةٌ بخلقه.
وأمّاالقضاء : فهو بمفهومه المعروف جَعْلُ النسبةَ التي بين موضوع ومحموله ضروريّةً موجبةً ، فقول القاضي مثلا في قضائه ـ فيما إذا تخاصم زيد وعمرو في مال أو حقٍّ ورفعا إليه الخصومة والنزاع وألقيا إليه حجّتهما ـ : «المال لزيد والحقّ لعمرو» ، إثباتُ المالكيّة لزيد وإثباتُ الحقّ لعمرو إثباتاً ضروريّاً يرتفع به التزلزل والتردّد الذي أوجده التخاصم والنزاع قبل القضاء وفصل الخصومة؛ وبالجملة قضاء القاضي إيجابه الأمرَ إيجاباً علميّاً يتبعه إيجابه الخارجيّ إعتباراً.
__________________
(1) راجع شرح الإشارات ج 3 ص 316 ـ 318 ، والأسفار ج 6 ص 290 ـ 296 ، وشرح المنظومة ص 175 ـ 177.
(2) قال في الأسفار : «وأمّا العناية فقد انكرها أتباع الإشراقييّن ، وأثبتها أتباع المشائين كالشيخ الرئيس ومن يحذو حذوه» إنتهى كلامه في الأسفار ج 6 ص 291.
أقول : انكرها الشيخ الإشراقي في حكمة الإشراق ص 153 حيث قال : «وأمّا العناية فلا حاصل لها». وتبعه العلاّمة الشيرازيّ في شرح حكمة الإشراق ص 365. واثبتها الشيخ الرئيس في الإشارات ، حيث قال : «فالعناية هي احاطة علم الأوّل بالكلّ» راجع شرح الإشارات ج 3 ص 318 ، وكذا في سائر كتبه ، فراجع المبدأ والمعاد ص 84 ، والنجاة ص 284 ، والتعليقات ص 19. واثبتها أيضاً العرفاء كما قال صدر الدين القونويّ : «وعنايته في الحقيقة افاضة نوره الوجوديّ على مَن انطبع في مرآة عينه التي هي نسبة معلوميّته واستعدّ لقبول حكم ايجاده ومظهريته» راجع كلام الماتن في مصبَاح الأنس ص 87.