4 ـ لا قصاص ولا اتهام قبل الجناية
نشاهد في هذا الفصل من القصّة انّ يعقوب بالرغم من علمه بما سيقدم عليه اخوة يوسف وتحذيره ولده يوسف ألّا يقصص رؤياه على اخوته ، وان يكتم الأمر ، الّا انّه لم يكن مستعدا لانّ يتّهمهم بقصد الاساءة الى يوسف ، بل كان عذره إليهم انّه يحزنه فراقه ، ويخاف ان يأكله الذئب في الصحراء.
والأخلاق والمعايير الانسانية والاسس القضائية العادلة توجب ذلك ايضا ، فحيث لم تتوفر لدينا علامة ظاهرة على مخالفة شخص ما فلا ينبغي اتّهامه ، فالأصل البراءة والصحّة والطهارة الّا ان يثبت خلافه.
5 ـ تلقين العدوّ
المسألة الاخرى اننا نقرا ـ في ذيل الآيات المتقدمة ـ رواية عن النّبيصلىاللهعليهوآلهوسلم انّه قال : «لا تلقّنوا الكذّاب فيكذب فإنّ بني يعقوبعليهالسلام لم يعلموا ان الذئب يأكل الإنسان حتى لقّنهم أبوهم»(1) . اشارة الى انه قد يحدث أحيانا ان لا يلتفت الطرف الآخر الى الحيلة والى طريق الاعتذار وانتخاب طريق الانحراف ، فعليكم ان تحذروا من ذكر الاحتمالات المختلفة التي تبيّن له طرق الانحراف.
ومثل هذا يشبه تماما ما لو قال الإنسان لطفله : لا ترم الكرة باتّجاه المصباح ، ولم يكن الطفل يعلم ان الكرة يمكن ان ترمى نحو المصباح ، فيلتفت الى ان مثل هذا العمل ممكن ، وتتحرك فيه نوازع الفحص ماذا سيكون لو رميت الكرة باتجاه المصباح؟ ثمّ يبدأ «لعبته» لتنتهي بتكسّر المصباح!
وليس هذا موضوعا هينا ولا خاصا بالأطفال ، فقد يتفق أحيانا ان الأوامر والنواهي الخاطئة ، تسبب ان يتعلم الناس أشياء لم يعرفوها من قبل ، فتوسوس لهم أنفسهم ان يقدموا عليها ، فينبغي في مثل هذه الموارد ـ قدر المستطاع ـ ان
__________________
(1) نور الثقلين ، ج 2 ، ص 415.