3%

وافتخر به امام الآخرين(1) .

3 ـ الشكر على الانتصار :

انّ الآيات السابقة تعلّمنا بجلاء ووضوح درسا من دروس الأخلاق الاسلامية ، وهو انّه بعد الانتصار على العدو وكسر شوكته لا بدّ ان لا ننسى العفو والرحمة ، وان لا نعامله بقساوة ، فإنّ اخوة يوسف قد عاملوه اشدّ المعاملة أشرفت به على نهايته وأوصلته الى أبواب الموت ، ولو لم تشمله عناية الله سبحانه وتعالى ، لعجز عن الخلاص ممّا اوقعوه فيه ، هذا اضافة الى المصائب والآلام التي تحملها أبوه ، لكنّهم الآن جميعا واقفون امّام يوسف وهو السيّد المطاع وبيده القوّة والقدرة ، لكنّه عاملهم بلطف واحسان.

كما انّه يفهم من خلال حديثه معهم انّه لم يحقد عليهم قطّ ، بل الذي يقلقه هو تذكّر الاخوة ماضيهم الأسود ويحسّوا بالخجل! ولذا حاول جاهدا ان يريحهم من هذا القلق ويزيح هذا الكابوس عن صدورهم ، بل اكثر من هذا فإنّه حاول ان يفهمهم انّ لهم عليه فضلا في مجيئهم الى مصر والتعرّف عليهم ، فإنّهم كانوا السبب في كشف حقيقته امام الشعب في هذا البلد ، حيث عرف اهل مصر انّ عزيزهم هو سليل بيت النبوّة والرسالة وليس عبدا بيع في السوق بدراهم معدودات ، ومن هنا فإنّ يوسف كان يرى لهم في ذلك فضلا ومنّة!

ومن حسن الصدف انّنا نرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمتحن بمثل هذه المواقف الحرجة ، فمثلا حينما فتح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكّة واذلّ المشركين وهزمهم وكسر أصنامهم وداس شوكتهم وكبرياءهم ، جاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (كما رواه ابن عبّاس) الى جوار الكعبة وأخذ بحلقة بابها وكان المشركون قد التجأوا إليها هم ينتظرون حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم ، وقال كلمته المشهورة : «الحمد لله الذي صدق وعده

__________________

(1) تفسير فخر الرازي ، ج 18 ، ص 206.