واعتبر بعض المفسّرين أنّ جملة( لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً ) تعني فصاحة ألفاظ القرآن وكلمة «قيما» تعني البلاغة والاستقامة بالرغم من عدم امتلاكهم لأي دليل واضح على هذا التباين(1) ، والظاهر أنّ الكلمتين تؤكّد كل منهما الأخرى ، مع فرق أن كلمة «قيّم» لها مفهوم واسع ، وتعني اضافة إلى معنى الاستقامة ، المحافظ والمصلح للكتب المساوية الأخرى(2) .
3 ـ انذارين شديدين عام وخاص :
بعد الإنذار العام الذي وجهته الآيات في البداية لكافة البشر ، وجهت الآيات المذكورة آنفا إنذارا خاصّا للذين ادّعوا بأنّ لله ولدا وهذا ما يوضح خطورة الانحراف العقائدي الذي أصاب المسيحيين واليهود والمشركين ، وانتشر بصورة واسعة في الأجواء التي نزل القرآن ، ومن الطبيعي فإنّ انتشار مثل هذه الأفكار يقضي على روح التوحيد في ذلك المجتمع ، إذ حدّوا الله سبحانه وتعالى بحدود مادية وجسمية ، وأنّه يمتلك عواطف وأحاسيس بشرية ، إضافة إلى وجود أكفاء وشركاء له ، وأنّه يحتاج إلى الآخرين.
وبسبب هذه المعتقدات نزلت آيات عديدة للردّ على تلك الشبهات ، ومنها الآية (68) في سورة يونس :( قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُ ) والآيات من (88) إلى (91) في سورة مريم :( وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا ، تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً ) .
وما جاء في هذه الآيات المباركة يوضح قوّة الرّد الإلهي على تلك الادعاءات ، حيث أكّدت على العقاب الشديد الذي ينتظر من يعتقدون بمثل هذه
__________________
(1) روح المعاني ، المجلد 15 ، أثناء تفسير الآية.
(2) «قيم» من الناحية اللغوية «حال» وعامله «أنزل».