والآن نصل إلى هذا السؤال : ما هو مصدر هذا الانحراف الخطير؟
إنّ التعصب القوي والغرور والتكبير وحب الذات ، هي من أهم العوامل التي تقود إلى مثل هذه التصورات الخاطئة. وفي بعض الأحيان يكون التملق ، أو الانطواء على النفس لفترة معينة سببا لظهور هذه الحالة ، حيث يتصوّر الإنسان أنّ كل أعماله الخاطئة المنحرفة هي أعمال جميلة ، بحيث يشعر بالفخر والغرور والمباهاة بدلا من إحساس الخجل والشعور بالعار بسبب أعماله القبيحة. يقول القرآن في مكان آخر واصفا هذه الحالة :( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ) (1) وفي آيات أخرى ، نقرأ أنّ الشيطان هو الذي يزيّن للإنسان سيئاته حسنات ، ويمنيهم بالغلبة والنصر ، كما في قوله تعالى :( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ ) (2) .
ويقول القرآن بعد قصّة برج فرعون المعروف :( وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ ) . والآية تعليق على عمل فرعون عند ما طلب من هامان أن يبني له برجا ليطّلع بزعمه إلى إله موسى كما في الآيتين (36 ـ 37) من سورة غافر.
2 ـ ماذا يعني لقاء الله؟
بالرغم من أنّ بعض أشباه العلماء يستفيدون من أمثال هذه الآيات إمكانية رؤية الخالق جلّ وعلا في العالم الآخر ، ويفسّرون لقاء الله باللقاء الحسي ، إلّا أنّه من المعلوم بداهة أنّ اللقاء الحسي يقتضي تجسيم الخالق جلّ وعلا ، والتجسيم يقتضي التحديد والحاجة ، والمحدود المحتاج يكون قابلا للفناء ، والكل يعرف ويؤمن بأنّ هذه الصفات لا تنطبق على الله تعالى.
لذا فإنّ القصد من اللقاء أو الرؤيا في الآيات القرآنية ليس الرؤية الحسية ، بل
__________________
(1) فاطر ، 8.
(2) الأنفال ، 48.