إنّ تعبير( كُنْ فَيَكُونُ ) الذي جاء في ثمانية موارد من القرآن ، تجسيد حي جدّا عن مدى سعة قدرة الله ، وتسلطه وحاكميته في أمر الخلقة ، ولا يمكن تصور تعبير عن الأمر أقصر وأوجز من( كُنْ ) ولا نتيجة أوسع وأجمع من( فَيَكُونُ ) خاصّة مع ملاحظة «فاء التفريع» التي تعطي معنى الفورية هنا ، فإنّها لا تدل هنا على التأخير الزماني بتعبير الفلاسفة ، بل تدل على التأخير الرتبي ، أي تبيّن ترتب المعلوم على العلة. دققوا جيدا.
نفي الولد يعني نفي الاحتياج عن الله :
لماذا تحتاج الكائنات الحية إلى الولد عادة؟ لأنّ عمرها محدود ، ولكي لا ينقرض نسلها ، ومن أجل أن تستمر حياتها النوعية؟!
ومن الناحية الاجتماعية ، فإنّ حاجة الأعمال الجماعية إلى طاقة إنسانية أكبر أدّت الى زيادة علاقة الإنسان بالولد. إضافة إلى أنّ الحاجات العاطفية والنفسية ، وإزالة ودفع وحشة الوحدة ، كلها تدعوه إلى هذا العمل.
لكن ، هل تتصور مثل هذه الأمور في حق الله الأزلي الأبدي الذي لا تنتهي قدرته ، ولا سبيل لمسألة الحاجة العاطفية إلى ذاته المقدسة أبدا؟!
وهل تنج ذلك إلّا عن أن هؤلاء الذين يقولون : إنّ لله ولدا ، قد قاسوا الله سبحانه على أنفسهم ، ورأوا فيه ما رأوا في أنفسهم؟ في حين أنّه( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (1) .
ملاحظة تاريخية هامة حول الهجرة الأولى
إنّ أوّل هجزة وقعت في الإسلام كانت هجرة مجموعة كبيرة من المسلمين ـ
__________________
(1) لقد بحثنا في معنى (كن فيكون) ، وأدلة نفي الولد عن الله المجلد الأوّل من هذا التّفسير ، في ذيل الآيتين 116 ، 117 من سورة البقرة.