سبحانه وتعالى.
ثمّ يأمر الله الرّسولصلىاللهعليهوآلهوسلم باتّباع سياسة اللين في الدعوة إلى الهدى ودين الحقّ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ) أي ادفع عدوانهم وسيّئاتهم بالعفو والصفح والإحسان ، وكلامهم البذيء بالكلام المنطقي الموزون :( نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ ) .
والله يعلم أنّ أعمالهم القبيحة وكلامهم البديء وأذاهم القاسي يؤلم الرّسولصلىاللهعليهوآلهوسلم ، إلّا أنّهعزوجل يدعو إلى عدم الرّد بالمثل ، بل يوجب أن يكون الردّ بالتي هي أحسن. وهذا خير سبيل لإيقاظ الغافلين والمخدوعين.
ثمّ نقرأ أمرا ربّانيا بالاستعاذة بالله من مكائد الشيطان( وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ ) . إنّه دعاء بالإنقاذ من تربّص الشيطان ومكره الخفي ، ولا يقف الدعاء عند همزات الشياطين بل يستمرّ في الاستعاذة من حضورهم عنده( وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ) أي حضور الشياطين في اجتماعات النّبيصلىاللهعليهوآلهوسلم الذي يؤدّي إلى إغفال المجتمعين وإضلالهم.
ملاحظتان
1 ـ ما معنى همزات الشياطين؟
«الهمزات» جمع «همزة» بمعنى التحريك بقوّة ، وقد أطلقت هذه التسمية على حرف الهمزة ، لأنّها تؤدّي إلى حركة قويّة في نهاية الحلق.
وقال بعض المفسّرين : إنّ «الهمز» و «الغمز» و «الرمز» بمعنى واحد. إلّا أنّ الرمز ذو مرحلة خفيفة ، والغمز أشدّ منها. والهمز ، نهايتها في الشدّة(1) .
وبما أنّ الشياطين صيغة جمع ، فهي تضمّ شياطين الجنّ والإنس ، ظاهرها وخفيّها. ونقرأ في تفسير علي بن إبراهيم أنّ الإمامعليهالسلام قال في معنى الآية :( قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ ) : هو ما يقع في قلبك من وسوسة
__________________
(1) تفسير أبو الفتوح الرازي.