مراقب أمين يشهد على الكتب النازلة قبله بالصحة في مورد، والبا لتحريف في مورد آخر. ولو أراد أهل الكتب الوصول إلى الحق الواضح لرجعوا إلى ذلك الكتاب، لأنّهم لم يؤتوا علم كتابهم كلّه، بل:( أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ ) ( آل عمران ـ ٢٣ ) وأنّهم:( نَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ) (١) ، وكانوا:( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ) (٢) .
وفسره العلّامة الطباطبائي بوجه آخر وقال :
هيمنة الشيء على الشيء كون الشيء ذا سلطة على الشيء في حفظه ومراقبته وأنواع التصرف فيه، وهذا حال القرآن الذي وصفه الله تعالى بأنّه تبيان كلّ شيء بالنسبة إلى ما بين يديه من الكتب السماوية، يحفظ منها الاُصول الثابتة غير المتغيرة، وينسخ منها ما ينبغي أن ينسخ من الفروع التي يمكن أن يتطرق إليه التغير والتبدل ممّا يناسب حال الانسان بحسب سلوكه صراط التكامل بمرور الزمان، قال تعالى:( إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) ( الإسراء ـ ٩ ).
وقال:( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) ( البقرة ـ ١٠٦ ).
فهذه الجملة أعني قوله:( وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) متممة لقوله:( مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ ) تتميم ايضاح، إذ لولاها لأمكن أن يتوهّم من تصديق القرآن للتوراة والانجيل أنّه يصدق ما فيهما من الشرائع والأحكام، تصديق إبقاء من غير تغيير وتبديل لكن توصيفه بالهيمنة يبيّن أنّ تصديقه لهما تصديق إنّهما شرائع حقّة من عند الله، وانّ لله أن يتصرف فيها ما يشاء بالنسخ والتكميل كما يشير إليه قوله سبحانه في ذيل الآية:( وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ) (٣) .
ثمّ إنّ في الكتاب الحكيم آيات تشير إلى خاتمية الرسول الأكرمصلىاللهعليهوآله وخاتمية كتابه
__________________
(١) و (٢) لاحظ الآية ١٣ من المائدة.
(٣) الميزان: ج ٥ ص ٣٧٨ ـ ٣٧٩.