3%

عاشراً / من حيث تناوله لأدق المعارف العقلية، والقضايا الاعتقادية الرفيعة التي لا تصل إليها أفكار البشر، ولا تبلغها علومهم، ممّا يتعلّق بالله سبحانه وصفاته وأسمائه وأفعاله، وما أخبر به من عوالم غيبية في الملأ الأعلى، والنشأة الاُخرى.

إلى غير ذلك من الجهات والوجوه التي يقصر البيان عن الإحاطة بها، وإحصائها في هذا المختصر.

غير أنّ الجهة الأخيرة من هذه الجهات وهي التي كان يتوجب تناولها بالدراسة الوافية والتحليل الشامل، وخاصة في عصرنا الحاضر، قد اُهملت في مؤلّفات المفسّرين غالباً فهم لم يدرسوها بجامعية تليق بالموضوع وتناسب أهميته، وتعطي حقه من العناية والبحث.

ولعلّ عذرهم في ذلك هو أنّ تفسيرهم للكتاب العزيز كان على وجه التفسير التدريجي للقرآن، أي التفسير سورة فسورة، وآية فآية، ولم يتبادر إلى أذهانهم إنّ هناك نوعاً آخر من التفسير هو التفسير الموضوعي الذي يفسّر الكتاب العزيز حسب المفاهيم والموضوعات، وهو النمط الذي أشرنا إليه في مقدمة الجزء الأوّل من هذه السلسلة القرآنية.

* * *

لزوم الاهتمام بالمعارف الإلهية

وإنّما ينبغي إعطاء المزيد من الاهتمام بالمعارف الإلهية التي ترتبط بالله سبحانه، وأسمائه وصفاته وأفعاله وغير ذلك ممّا تناوله القرآن بالدقة المشهودة، لأنّ تناول القرآن لهذه المعارف بهذا الشكل يدلّ ـ بوضوح لا يقبل الجدل ـ على أنّ النبيّ الاُمّيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأخذ هذه المعارف إلّا من مستقى ( الوحي )، إذ من المستحيل لابن الجزيرة الخالية من أيّة حضارة وثقافة أن يأتي ـ في كتابه ـ بما أبهر عقول الفلاسفة والمفكّرين، في القديم والحديث، وذلك من لدن نفسه وصنع فكره، أو يكون قد تلقّاها في مدرسة، أو اقتبسها من معلّم في أرض لم يعرف أهلها إلّا الأوهام، ولم يؤمنوا إلّا بالخرافة، فلا ثقافة