قد كان لأمير المؤمنين صفوة من الأصحاب يستدر بهم الغمام، ويندر مثالهم في الدهر كزيد وصعصعة ابني صوحان واُويس القرني والأصبغ بن نباتة، ورشيد الهجري، وميثم التمار، وكميل بن زياد، وأشباههم، وكان هؤلاء مثلاً للفضيلة وكرم الاخلاص وخزنة للعلم والاسرار، منحهم أمير المؤمنين من سابغ علمه واستأمنهم على غامض أسراره ممّا لا يقوى على احتماله غير أمثالهم فجمعوا العلم، سرّه وجهره، والفضائل، نفسية وخلقية، ذاتية وكسبية، والعبادة قولاً وعملاً وجارحة وجانحة، فاكتسبوا من أمير المؤمنين جميع الفعال والخصال وأخذوا عنه أسرار العلم وعلم الأسرار، حتى زكت بهم النفوس وكادوا أن يزاحموا الملائكة المقرّبين في صفوفهم، وغبطهم الملأ الأعلى على ما اتصفوا به من كمال الذات والصفات، فصاروا أهلاً، لأن يأتمنهم الإمام على نفائس الأسرار وأسرار النفائس فكادوا أن يكونوا بعد التصفية ملائكة مجردة عن النقائص، لا يعرفون الرذيلة ولا تعرفهم.
فهذا ميثم، عظيم من حواري علي، وولي من أوليائه وأحد خريجي مدرسته العالية، الذين نهجوا في السير على هداه واتبعوه قائداً وقدوة في أمره ونهيه فصار مستودع أسراره وحقل علومه وخاصة حواريه.
كان رسول الله يخلو بعلي يناجيه، وكانت اُم سلمة زوج النبيصلىاللهعليهوآله تلك البرة الطاهرة، تلتقط من المناجات درراً ثمينة، فممّا التقطته منها، وصاياه لأبي الحسنعليهالسلام في ميثم، فدخل ميثم على اُمّ سلمة وهو يريد الحج، فقالت له: طالما سمعت رسول الله يذكرك في جوف الليل ويوصي بك علياً.
وكان ميثم يصحب الإمام أحياناً إلى الأماكن الخالية وعند خروجه في الليل إلى الصحراء، فيستمع منه الأدعية والمناجاة، وكثيراً ما يجلس إليه الإمام في السوق وأفواج الناس ذاهبة وآيبة، ينظرون الإمام وهو في دكان « ميثم » يسامره ويحادثه ويلقي إليه