3%

أدركوا هذه الحقيقة في أيام الإسلام الاُولى، واعترفوا بعجزهم عن الوصول إلى أغوراه، والتوصل إلى ما فيه من الأسرار والحكم.

هذا الوليد بن المغيرة حكيم العرب وريحانتهم وخطيبهم المنطيق يجلس إلى النبي ليستمع ما كان يتلوه من آيات « سورة غافر »، وبعد هنيئة ذهب إلى قومه « بني مخزوم » ليقول لهم مصارحاً: ( والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الانس ولا من كلام الجن، وأنّ له لحلاوة، وأنّ عليه لطلاوة، وأن أعلاه لمثمر، وأنّ أسفله لمغدق، وأنّه ليعلوا وما يعلى )(١) .

يمكن اعتبار قول الوليد هذا، أول تقريظ بشري صدر من انسان واع أدرك بفطرته وذوقه السليم أنّ القرآن ( أعلاه لمثمر، وأسفله لمغدق، وأنّه يعلو وما يعلى ).

التفسير في مختلف الاتجاهات

في القرن الثالث الهجري ـ عندما قطعت العلوم الإسلامية أشواطاً بعيدة، ووصلت إلى مراحل عالية من النضج والرقي ـ حدث في علم التفسير تطوّر ملموس، فإنّه قبل هذه الفترة كان التفسير منحصراً بنقل أحاديث مروية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو آراء بعض الصحابة والتابعين وأحياناً بعض أهل الكتاب الذين اعتنقوا الإسلام، أمّا في هذا القرآن وما بعده فقد أدخل كل ذي اختصاص المباحث العائدة إلى موضوع اختصاصه، في التفسير، بل ربّما لا يكتب بعضهم إلّا ما يدخل في إطار العلم الذي أصبح له اليد الطولى فيه.

فأعلام الأدب العربي خصصوا كتبهم التي تتناول القرآن بمباحث الاعراب واللغة والاشتقاق، كما صنع الزجاج والواحدي مؤلّف كتاب « البسيط » وأبو حيّان مؤلّف كتاب « البحر والنهر ».

وشيوخ البلاغة اهتموا بصورة خاصّة بما يتعلّق بفصاحة القرآن وأسراره البلاغية

__________________

(١) مجمع البيان، ج ١٠، ص ٣٨٧.