إنّ وفود هذا النوع من الفكر المزيج بسوء الظن بالمسائل الغيبية والمعارف الإلهية، دعا البعض إلى الابتعاد عن الدين، والالحاد فيه، كما دعا البعض الآخر إلى تأويل الآيات بما يوافق الاتجاه الفكري المعاصر، وآل بهم الأمر إلى أن يأوّلوا الآيات المصرّحه بمعاجز الأنبياء، والروح، والجن، والبرزخ، بتأويل يوافق الاُسس المادية والطبيعية(١) .
كما أنّ تقدم العلوم الطبيعية في مجالات مختلفة، دفع بعض الباحثين إلى أن يفرطوا في تأويل الآيات حسب الاُسس الطبيعية والنواميس الكونية، كأنّ القرآن كتاب في الكيمياء والفيزياء وليس له أهداف اُخرى.
وفي مطاوي بعض الكتب التفسيرية المؤلّفة في هذا القرن، نرى الاتّجاه العلمي والفكري الغربي بوضوح، في عرض المسائل القرآنية وتحليلها، وهي تحاول بكل ما تملك من القوى أن توفق بين المفاهيم القرآنية الاجتماعية والأخلاقية، وبين النظريات الغربية، كأنّها كتبت للتوفيق بين المدرسة الإلهية والمدرسة الاُوروبية المعاصرة.
أنّ هذا الفريق من الباحثين جلبتهم العقيدة الدينية بالقرآن الكريم وتقديسه والإذعان به، وانجرفوا من جهة اُخرى فى تيار المدنية الغربية المبنية على أساس إنكار المقدسات والمعنويات أو إرضاء لميولهم الخاصة نحو هذه المدنية، عملوا جادين في تأويل الآيات بالطريقة التي ذكرناها.
لا شك أنّ الآيات القرآنية نزلت تدريجياً، على قلب الرسولصلىاللهعليهوآله طيلة ثلاث وعشرين سنة، ولا نريد في هذا المجال، الحديث عن علة نزول القرآن هكذا، لأنّه
__________________
(١) هذه الظاهرة المادية تبرز بوضوح في تفسير السيد أحمد خان الهندي والطنطاوي وفي « المنار » وتلامذة مدرسته قليلاً.