الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ) ( القمر: ٤٤ ـ ٤٥ ) فأخبر عن انهزام جمع الكفار وتفرّقهم وقمع شوكتهم، وقد وقع هذا في يوم « بدر » أيضاً حين ضرب أبا جهل فرسه وتقدم نحو الصف الأوّل قائلاً: نحن ننتصر اليوم من محمد وأصحابه، فأباده الله وجمعه وأنار الحق ورفع مناره، وأعلى كلمته فانهزم الكافرون وظفر المسلمون عليهم حينما لم يكن يتوهّم أحد بأنّ ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ليس لهم عدة يظفرون فيها بجمع كبير تام العدة وافر العدد، وكيف يستفحل أمر اُولئك النفر القليل على هذا العدد الكثير، حتى تذهب شوكته كرماد اشتدت به الريح(١) .
تنبّأ القرآن بأنّه سيبقى مصوناً عن التحريف بعامة معانيه، فمع أنّ القرآن بل التاريخ يقصّان علينا تحريف الكثير من كتب الله ووحي السماء، ومع أنّ المستقبل مليء بشتيت الحوادث المرة والليالي حبالى مثقلات، جاء القرآن يخبر بوضوح بأنّ الأيدي الجائرة لا تتمكن من التلاعب به حيث قال:( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر ـ ٩ ) والمراد من « الذكر » بقرينة قوله سبحانه:( وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) ( الحجر ـ ٦ ) هو القرآن لا النبي كما احتمله بعضهم، وبما أنّ النبيصلىاللهعليهوآله لم يكن من الذين يطلبون المجد عن طريق الأحلام المكذوبة والآمال المعسولة ويسيرون على الخيال، فلا مناص من أن تكون صادرة عن وحي سماوي، معبّرة عن رأي من يملك الأرض والسماء والماضي والمستقبل.
نعم نوقش في دلالة الآية على صيانة القرآن عن التحريف بوجوه زائفة لا قيمة لها في ميزان الانصاف(٢) .
__________________
(١) البيان: ص ٥٢ ـ ٥٣.
(٢) راجع في الوقوف على تلكم الشبهات وأجوبتها، تفسير البيان: ص ١٤٤ ـ ١٤٦.