أضف إلى ذلك: أنّ وسوسة الشيطان في صدور الناس إنّما هي بصورة النفوذ في قلوبهم والسلطان عليهم بنحو يؤثر فيهم، وإن كان لا يسلب عنهم الاختيار والحرية، ويؤيد كون الوسوسة بصورة النفوذ، الإتيان بلفظة « في » في قوله سبحانه:( يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) ، وأمّا(١) وسوسة الشيطان بالنسبة إلى أبي البشر فلم تكن بصورة النفوذ والتسلّط بشهادة تعديته بلفظة « لهما » أو « إليه »(٢) . وهذا التفاوت في التعبير يفيد الفرق بين الوسوستين، وأنَّ إحداهما على نحو الدخول والولوج في الصدور، والأُخرى بنحو القرب والمشارفة.
وأمّا قوله سبحانه:( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا ) (٣) وقوله:( فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءاتُهُمَا ) (٤) ، فلا يدلاّن على كون العمل الصادر منهما عصياناً بالمعنى المصطلح، وأمّا التعبير الوارد في الآية فهو لأجل أنّ عمل آدم لم يكن مقروناً بالمصلحة، بل كان مقروناً بالشقاء والبعد عن الحياة السعيدة، فكل من افتقد هذه البركات والمصالح يصدق عليه أنّه « زلَّ » أو « انّ الشيطان أنزلهما عن مكانتهما بغرور ».
وبالجملة: انّ هذه التعابير تجتمع مع كون النهي إرشادياً غير مولوي، أو نهياً مولوياً تنزيهياً كما هو المقرر في الجوابين الأوّلين.
ربّما يتمسك المخالف بهذين اللفظين، حيث قال سبحانه:( وَعَصَىٰ آدَمُ
__________________
(١) الناس: ٥.
(٢) الأعراف: ٢٠ ؛ طه: ١٢٠.
(٣) البقرة: ٣٦.
(٤) الأعراف: ٢٢.