وبالجملة: فهذه الوجوه الثلاثة المذكورة حول( غَوَىٰ ) تثبت وهن الاستدلال بها على العصيان.
إنّ الظلم ليس إلّا بمعنى وضع الشيء في غير موضعه، ومن أمثال العرب قولهم« من أشبه أباه فما ظلم » . قال الأصمعي: الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، وفي المثل« من استرعى الذئب فقد ظلم » ولأجل ذلك يُعد العدول عن الطريق ظلماً، يقال:« لزموا الطريق فلم يظلموه » أي لم يعدلوا عنه(١) .
فإذا كان معنى الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه وتجاوز الحد، لا يلزم أن يكون كل ظلم ذنباً بل يشمله وغيره، فمن لم يسمع قول الناصح المشفق وعمل بخلاف قوله فقد وضع عمله في غير موضعه، كما انّ من خالف النهي التنزيهي فقد عدل عن الطريق الصحيح.
وبالجملة: فكل مخالفة وانحراف عن طريق الصواب ظلم. سواء أكان الأمر المخالف مولوياً أم إرشادياً، إلزامياً أم غيره.
أضف إلى ذلك أنّه سبحانه يعد الظلم للنفس مقابلاً لعمل السوء، ويقول:( وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) (٢) .
والآية تُعرب عن أنَّ الظلم للنفس ربّما يكون غير عمل السوء، وعند ذلك يتضح أنّ قول آدم:( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا ) لا يستلزم الاعتراف بالذنب، لأنّ الظلم
__________________
(١) لسان العرب: مادة « ظلم ».
(٢) النساء: ١١٠.