قد وقفت على أعظم شبه المخطّئة للأنبياء، كما وقفت على الجواب عنها، فهلم معي ندرس شبهة أُخرى لهم جعلوها ذريعة لفكرتهم الفاسدة حيث استدلوا على عدم عصمة « آدم »عليهالسلام بقوله سبحانه:( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ *فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ *أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ *وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ ) (١) .
استدل المخطّئة لعصمة الأنبياء بقوله سبحانه:( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ ) قائلين بأنّ ضمير التثنية في كلا الموردين يرجع إلى آدم وحواء اللّذين أُشير إليهما بقوله سبحانه في صدر الآية:( مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ) .
ولكن الاستدلال بالآية مبني على القول بأنّ المراد من( مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ) هي الواحدة الشخصية لا الواحدة النوعية، أعني كل أب وأُم بالنسبة إلى أولادهما، ولكن القرائن تشهد بأنّ المراد هو الواحد النوعي لا الشخصي.
توضيح ذلك: أنّ تلك اللفظة قد استعملت في القرآن الكريم بوجهين :
الأوّل: ما أُريد منه الواحد الشخصي كقوله سبحانه:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً
__________________
(١) الأعراف: ١٨٩ ـ ١٩٢.