( وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ *فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَباً قَالَ هَٰذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ *فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَٰذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ *فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) (١) .
قالت المخطّئة: إنّ قوله:( هَٰذَا رَبِّي ) في المواضع الثلاثة ظاهر في أنّهعليهالسلام كان يعتقد في وقت من الأوقات بربوبية هذه الأجرام السماوية، وهذا ممّا لا يجوز على الأنبياء عند العدلية، وإن زعمت العدلية أنّهعليهالسلام تكلّم بها ظاهراً غير معتقد باطناً، فهذا أيضاً غير جائز على الأنبياء، لأنّه يقول شيئاً غير معتقد به، وهو أمر قبيح سواء سمّي بالكذب أم لا.
والجواب: انّ الاستدلال ضعيف، لأنّ الحال لا تخلو من إحدى صورتين :
الأُولى: انّ إبراهيم كان في مقام التحرّي والتعرّف على الربّ المدبّر للعالم، ولم يكن آنذاك واقفاً على الحقيقة، لأنّه ـ كما قيل ـ كان صبياً لم يبلغ الحلم، وصار بصدد التحقيق والتحري، فعندئذ طرح عدّة احتمالات واحداً بعد واحد، ثم شرع في إبطال كل واحد منها، إلى أن وصل إلى الرب الواقعي والمدبّر الحقيقي.
وهذا نظير ما يفعله الباحثون عن أسباب الظواهر وعللها، فتراهم يطرحون على طاولة التحقيق سلسلة من الفرضيات والاحتمالات، ثمّ يعمدون إلى التحقيق عن حال كل واحد منها إلى أن يصلوا إلى العلة الواقعية، وعلى هذا يكون معنى
__________________
(١) الأنعام: ٧٥ ـ ٧٨.