إنّه سبحانه يأمر نبيّه الأعظم، بطلب الغفران منه ويقول مخاطباً رسوله:( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا *وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) .(١) ويقول سبحانه:( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَٰهَ إلّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ) (٢) . وعندئذ يخطر في ذهن الإنسان: كيف تجتمع العصمة مع الأمر بطلب الغفران ؟
أقول: التعرّف على ما مرّ في الآيتين ونظائرهما، رهن الوقوف على الأصل المسلَّم بين العقلاء، وهو أنّ عظمة الشخصية وخطر المسؤولية متحالفان، وربَّ عمل يُعد صدوره من شخص جرماً وخلافاً، وفي الوقت نفسه لا يعد صدوره من إنسان آخر كذلك.
توضيح ذلك: انّ الأحكام الشرعية تنقسم إلى واجب وحرام ومستحب ومكروه ومباح، ولا محيص عن الإتيان بالواجب وترك الحرام، نعم هناك رخصة في ترك المستحب والإتيان بالمكروه ولكن المترقب من العارف بمصالح الأحكام ومفاسدها، تحلية الواجبات بالمستحبات، وترك المحرمات مع ترك المكروهات ولا يقصر عنه المباح، فهو وإن أباحه الله سبحانه ولكن ربّما يترجح فعله على تركه أو العكس لعنوان ثانوي.
فالعارف بعظمة الرب يتحمّل من المسؤولية ما لا يتحمله غيره، فيكون المترقّب منه غير ما يترقّب من الآخر، ولو صدر منه ما لا يليق، وتساهل في هذا
__________________
(١) النساء: ١٠٥ ـ ١٠٦.
(٢) محمد: ١٩.