مصون من الزلل والخطأ، ومقتضى لطفه وعنايته تقدير الأسباب المنتهية إلى تكوين شخصيات عالية صالحة، لأن يكونوا أئمّة وأُسوة في الحياة وقدوة في القول والفعل.
وفي الختام يطرح هذا السؤال نفسه: إذا كان الهدف من تنصيب إبراهيم هو قيادة الأُمّة وتنظيم أُمورهم في الحياة فلسائل أن يسأل عن تحقّق تلك الغاية في حياة الخليل وعدمه، وأنّه هل ساعدته الظروف لقيامه بتلك الوظيفة الخطيرة أم لا ؟
الجواب: إنّ حياة الخليل كحياة سائر الأنبياء محفوفة بالإبهام، وما ورد في قصص الأنبياء لا يصحّ الركون إليه لأنّ أكثرها إسرائيليات أو مسيحيات، وأمّا العهدان، فقد لعب بهما الهوى، وسرى إليهما التحريف، فلا يصحّ الاعتماد على محتوياتهما، ولأجل ذلك لا يمكن إظهار النظر حول السؤال على وجه بات.
والّذي يمكن أن يقال: إنّ القيادة وافتراض الطاعة وتنظيم أُمور الأُمّة بالأمر والنهي ذات مراتب، وهي تختلف حسب اختلاف الظروف والإمكانيات، وحسب اختلاف الأزمنة والحضارات، فالقيادة البارزة الّتي أُتيحت للنبي أو لمن قبله من الأئمّة كداود وسليمان لم تكن متاحة ولا ممكنة في زمن الخليل، لماعرفت من اختلاف القيادة باختلاف إمكانيات الظروف، وازدهار الحضارات.
ولكن القيادة بإحدى مراتبها كانت متاحة ومتحقّقة له، وإلاّ يلزم لغوية جعل المنصب، ولو لم يتسن له مثل ما تسنّى لسائر الأئمّة فليس لقصور في القاعدة وبرامجه، بل لقصور في الظروف والأزمنة، أو لتقصير في الأُمّة والتابعين، أو غير ذلك.