3%

فصل [٦] : في أسرار أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام

فمن ذلك : أنّ الرشيد لمّا حجّ دخل المدينة فاستأذن عليه الناس ، فكان آخر من أذن له موسى بن جعفرعليه‌السلام فلمّا أدخل عليه دخل وهو يحرّك شفتيه ، فلمّا قرب إليه قعد الرشيد على ركبتيه وعانقه ، ثمّ أقبل عليه وقال : كيف أنت يا أبا الحسن؟ كيف عيالك؟ كيف عيال أبيك؟ كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ وهو يقول : « خير خير » ، فلمّا قام أراد الرشيد أن ينهض أقسم عليه أبو الحسن فقعد ، ثمّ عانقه وخرج ، فلمّا خرج قال له المأمون : من هذا الرجل؟ فقال : يا بنيّ ، هذا وارث علوم الأوّلين والآخرين ، هذا موسى بن جعفرعليه‌السلام فإن أردت علما حقّا فعند هذا(١) .

ومن ذلك : ما رواه أحمد البزّاز قال : إنّ الرشيد ـ لعنه الله ـ لمّا أحضر موسىعليه‌السلام إلى بغداد فكّر في قتله فلمّا كان قبل قتله بيومين قال للمسيّب ـ وكان من الحرس عليه لكنّه كان من أوليائه وكان الرشيد لعنه الله قد سلّم موسىعليه‌السلام إلى السندي بن شاهك لعنه الله وأمره أن يقيّده بثلاثة قيود من الحديد وزنها ثلاثون رطلا ـ قال : فاستدعى المسيّب نصف الليل قال : « إنّي ظاعن عنك في هذه الليلة إلى المدينة لأعهد إلى من بها عهدا يعمل به بعدي » ، فقال المسيّب : يا مولاي ، كيف أفتح لك الأبواب والحرس قياما؟ فقال : « ما عليك » ، ثمّ أشار بيده إلى القصور المشيّدة والأبنية العالية والدور المرتفعة فصارت أرضا ، ثمّ قال لي : « يا مسيّب كن على هيئتك فإنّي راجع إليك بعد ساعة » ، فقلت : يا مولاي ، ألا أقطع لك الحديد؟ قال : فنفضه وإذا هو ملقى ، قال : ثمّ خطى خطوة فغاب من عيني ، ثمّ ارتفع البنيان كما كان ، قال المسيّب : فلم أزل قائما على قدمي حتّى رأيت الأبنية والجدران قد خرّت ساجدة إلى الأرض وإذا سيّدي قد أقبل وعاد إلى محبسه وأعاد الحديد إليه ، فقلت :

__________________

(١) المصدر السابق.