وبذلك نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، حيث نسوا بالأمس القريب كيف قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله في حقّها وهو بين ظهرانيهم :« فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها
أغضبني » (١) .
لقد عرفنا أنّ الزهراء عاشت خشونة الحياة وشظف العيش ، وكانت الدنيا في عينها أحقر وأصغر من جناح بعوضة تنظر إليها باشمئزاز ، ولهذا فانها كانت أكبر من أن تنازع أو تخاصم أحداً في بقعة أرض لأجل إرث المنصب أو الإرث المادي وغيره من متاع الدنيا ، ولو كانت كذلك لظهر جلياً عندما كانت الاُمور كلها بأيدي أبيها رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، والتاريخ يقول العكس حيث أنها طحنت بالرحىٰ حتىٰ مجلت يداها ، وأثّر عمل الرحىٰ في يدها(٢) ، إلىٰ غير ذلك من الأحاديث التي لم تظهر لها أي تعلّق بالدنيا ولو بقيد أنملة ، فقد كانت في زمن أبيهاصلىاللهعليهوآله زاهدة عابدة منصرفة عن ملذات الدنيا وطيباتها ، ومن ناحية اُخرىٰ فهي وكما أخبرها أبوهاصلىاللهعليهوآله تعلم علم اليقين أن حياتها قصيرة ، وسوف لا تبقىٰ بعده إلّا أيّاماً معدودات ، ولهذا فقد كانت حريصة علىٰ تضامن المسلمين وإعلاء كلمة الدين ، لهذا نرىٰ أنّها لم تقف ذلك الموقف المتصلّب إلّا لتبيّن للناس حقّ عليعليهالسلام في الخلافة ، وتزيل الغشاوة عن المسلمين السابحين في لجج الضوضاء.
إنّها ترىٰ خلافة عليعليهالسلام امتداداً لرسالة أبيهاصلىاللهعليهوآله المقدّسة ، ولذا فإن بعض
_____________
(١) صحيح البخاري ٥ : ٢١ / ٣٧١٤ من كتاب فضائل الصحابة ، باب مناقب قرابة
رسول الله صلىاللهعليهوآله .
(٢) حلية الأولياء / أبو نعيم ٢ : ٤١.