فشبعت ورويت وأقمت أيّاماً لا أشتهي طعاماً ولا شراباً، ثمَّ لم أره حتّى دخلنا مكّة، فرأيته ليلةً إلى جنب قبّة الشراب في نصف الليل قائماً يُصلّي بخشوع وأنين وبكاء فلم يزل كذلك حتّى ذهب اللّيل، فلمّا رأى الفجر جلس في مصلّاه يسبّح ثمَّ قام فصلّى الغداة، وطاف بالبيت اسبوعاً وخرج فتبعته وإذا له غاشية وموال وهو على خلاف ما رأيته في الطريق، ودار به الناس من حوله يسلّمون عليه، فقلت لبعض من رأيته يقرب منه: من هذا الفتى؟ فقال: هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهمالسلام فقلت: قد عجبت أن يكون هذه العجائب إلّا لمثل هذا السيّد ولقد نظم بعض المتقدّمين واقعة شقيق معه في أبيات شعرية:
سل شقيق البلخيّ عنه وما | عاين منه وما الذي كان أبصر | |
قال لمّا حججت عاينت شخصاً | شاحب اللون ناحل الجسم أسمر | |
سائراً وحده وليس له زاد | فما زلت دائماً أتفكّر | |
وتوهَّمت أنه يسأل الناس | ولم أدر أنّه الحجُّ الأكبر | |
ثم عاينته ونحن نزولُ | دون فيدٍ على الكثيب الأحمر | |
يضع الرمل في الأناء ويشربه | فناديته وعقلي محيّر | |
اسقني شربة فناولني منه | فعاينته سويقاً وسكّر | |
فسألت الحجيج من يك هذا؟ | قيل هذا الامام موسى بن جعفر |
روى العلامة المجلسيرحمهالله في بحاره ج ٤٨: ص ٨٥، عن محمد بن علي الصوفي: استأذن إبراهيم الجمّالرضياللهعنه على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه، فحجَّ عليُّ بن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى بن جعفر فحجبه، فرآه ثاني يومه فقال عليُّ بن يقطين: يا سيّدي ما ذنبي؟ فقال: حجبتك لأنّك حجبت أخاك إبراهيم الجمّال وقد أبى الله ان يشكر سعيك أو يغفر لك إبراهيم الجمّال فقلت: سيّدي ومولاي مَن لي بابراهيم الجمّال في هذا الوقت وأنا بالمدينة وهو بالكوفة؟ فقال إذا كان اللّيل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك واركب نجيباً هناك مُسرَّجاً قال: فوافى البقيع وركب