17%

(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ)(١)

قَدْ حَقَّرَ الدُّنْيٰا وَصَغَّرَهٰا ، وَأَهْوَنَ بِهٰا وَهَوَّنَهٰا ، وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ زَوٰاهٰ عَنْهُ اخْتِيٰاراً ، وَبَسَطَهٰا لِغَيْرِهِ احْتِقٰارًا. فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيٰا بِقَلْبِهِ ، وَأَمٰاتَ ذِكْرَهٰا عَنْ نَفْسِهِ ، وَأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهٰا عَنْ عَيْنِهِ لِكَيْلٰا يَتَّخِذَ مِنْهٰا رِيٰاشًا ، أَوْ يَرْجُوَ فِيهٰا مُقٰامًا ، بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ مُعْذِرًا ، ونَصَحَ لِأُمَّتِهِ مُنْذِرًا ، وَدَعٰا إِلَى الْجَنَّةِ مُبَشِّراً ، وَخَوَّفَ مِنْ النّارِ مُحَذَّرِاً.

قولهعليه‌السلام : «قَدْ حَقَّرَ الدُّنْيٰا وَصَغَّرَهٰا » أي أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل الدنيا حقيرة وصغيرة ولذلك كانصلى‌الله‌عليه‌وآله يبتعد عنها وعن لذّاتها ويصبر على محنتها ومصائبها وجوعها وغير ذلك.

وفي الحديث قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : الدنيا دار من لا دار لها ، ولها يجمع من لا عقل له ، وعليها يعادي من لا علم له ، وعليها يحسد من لا فقه له ، ولها يسعي من لا يقين له(٢) .

وأخرجه إبن سعد في حديث : فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مالي وللدينا ، وما أنا والدنيا؟ ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها(٣) .

قولهعليه‌السلام : «وَأَهْوَنَ بِهٰا وَهَوَّنَهٰا » أي جعلهاصلى‌الله‌عليه‌وآله هيّنة ذليلة في نظره.

وفي الحديث : أترون هذه السخلة هانت على أهلها حين ألقوها؟ فو الذي نفس محمّد بيده الدنيا أهون على الله من هذه السخلة

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ص ١٦٢ ، الخطبة ١٠٩.

٢ ـ إحياء العلوم : ج ٣ ، ص ٢١٧ ، وأخرجه الكليني شطراً من الحديث في الكافي : ج ٨ ، ص ٢٧٤ ، ح ٨.

٣ ـ الطبقات الكبرىٰ : ج ١ ، ص ٣٦١ ، وأخرجه البيهقي في دلائل النبوّة : ج ١ ، ص ٣٣٨.