(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ)(١)
بَعَثَهُ وَالنّٰاسُ ضُلّٰالٌ فِى حَيْرَةٍ ، وَحٰاطِبُونَ فِى فِتْنَةٍ. قَدِ اسْتَهْوَتْهُمُ الْأَهْوٰاءُ ، وَاسْتَزَلَّتْهُمُ الْكِبْرِيٰاءُ ، وَاسْتَخَفَّتْهُمُ الْجٰاهِلِيَّةُ الْجَهْلٰاءُ. حَيٰارىٰ فِى زِلْزٰالٍ مِنَ الْأَمْرِ ، وَبَلٰاءٍ مِنَ الْجَهْلِ. فَبٰالَغَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ في النَّصِيحَةِ ، وَمَضىٰ عَلَى الطَّرِيقَةِ ، وَدَعٰا إِلَى الْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ.
قولهعليهالسلام : «بَعَثَهُ وَالنّٰاسُ ضُلّٰالٌ فِى حَيْرَةٍ » لقد كان الفقر والبؤس والجهل أشباحاً مرعبة تسيطر على قبائل العرب المتناثرة في جزيرتها الموحشة الجرداء ، ففي ظلمات ذلك العصر الجاهلي المتخلّف بزغت أنوار الإسلام وشعّ ضياء بعثة رسول اللهصلىاللهعليهوآله الذي دعا الاُمّة إلى التوحيد وخلع الأنداد وما كانوا يعبدون من الأصنام والأوثان.
قولهعليهالسلام : «وَحٰاطِبُونَ فِى فِتْنَةٍ » حاطبون : جمع حاطب ، وهو الذي يجمع الحطب ، ويقال لمن يجمع بين الصواب والخطأ ، أويتكلّم بالغثّ والسمين : حاطب ليل ، لأنه لا يبصر ما يجمع في حبله ، فهو إستعارة. والمراد أنّهم جامعون في ضلالهم وفتنهم بين الغث والسمين وبين الحق والباطل ، وفي نسخه «خابطون» أي كانت أعمالهم مخبوطة بين حقّ والباطل.
قولهعليهالسلام : «قَدِ اسْتَهْوَتْهُمُ الْأَهْوٰاءُ » أي جذبتهم الأهواء الفاسدة ، والآراء الباطلة إلى الهلاك والفناء.
قولهعليهالسلام : «وَاسْتَزَلَّتْهُمُ الْكِبْرِيٰاءُ » أي أَدّت التكبّر والتجبّر إلى الزلل والهبوط في المضار كما حصلت لابليس حيث قال : «أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ص ١٤٠ ، الخطبة ٩٥.