6%

وضع بهذه القبة ما تجمد من مصاريف حب السماط المجدد ، فاجتمع بها نحو ثلاثة عشر ألف دينار ، فاتفق أن أمير المدينة حسن بن زبيري المنصوري حضر بجماعة مع الاستعداد بالأسلحة والسيوف المسلولة ؛ فدخل المسجد الشريف على تلك الحالة وقت الظهر من سادس ربيع الأول عام أحد وتسعمائة ، وأمر خازندار الحرم الشريف بإحضار مفاتيح الحاصل المذكور ، فامتنع من ذلك ، فضربه ضربا مبرحا ، ثم عمد إلى باب الحاصل المذكور وأحضر فأسا وكسره وأخذ جميع ما فيه من النقد والقناديل والسبائك ، فحمل منه ثلاثة أحمال على فرسين وبغل وغرائر تسع على ظهور الحمالين ، ثم ذهب إلى حصنه وأحضر الصياغ وسبك تلك القناديل ، وذكر أنه صنع ذلك رغبة عن إمرة المدينة ؛ لأن ولايته كانت بطريق النيابة عن السيد الشريف محمد بن بركات لتفويض السلطان الأشرف إليه أمر الحجاز وأن المشار إليه صار يأخذ حصته مما يحمل له من الإقطاع ومن الصدقات ، وعطل عليه أهل مصر بعض إقطاعه ، فحمله ذلك على ما سبق.

حكم معاليق المسجد النبوي

أما حكم هذه المعاليق ونحوها من تحلية الصندوق المتقدم ذكره والقائم الذي بأعلاه فحكم معاليق الكعبة الشريفة وتحليتها ، وقد تكلم السبكي في حكم قناديل الكعبة وحليتها والقناديل التي حول الحجرة الشريفة ، وألّف في ذلك كتابا سماه «تنزل السكينة ، على قناديل المدينة» فأورد حديث البخاري وغيره في كنز الكعبة وما تضمنه من إقرار النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم له بمحله ، ثم أبي بكر بعده ، ورجوع عمررضي‌الله‌عنه لذلك لما ذكره به ابن شبة ، وقال : هما المرآن يقتدي بهما ، قال : فهذا الحديث عمدة في مال الكعبة ، وهو ما يهدى إليها أو ما ينذر لها وما يوجد فيها من الأموال.

قال ابن بطال : أراد عمر إنفاقه في منافع المسلمين ، ثم لما ذكر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يتعرض له أمسك ، وإنما ترك ذلك والله أعلم لأن ما جعل في الكعبة وسبّل لها يجري مجرى الأوقاف ؛ فلا يجوز تغييره عن وجهه ، وفي ذلك تعظيم للإسلام وترهيب للعدو.

قلت : قد تعقب ذلك الحافظ ابن حجر باحتمال أن يكون النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما تركه رعاية لقلوب قريش ، كما ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ، ويؤيده ما وقع عند مسلم في بعض طرق حديث عائشةرضي‌الله‌عنه ولفظه «لو لا أن قومك حديثو عهد بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله ، ولجعلت بابها بالأرض» الحديث ، فهذا التعليل هو المعتمد.

قلت : لكن قد يقال : حيث تركه النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لهذه العلة ثم تركه أبو بكر ثم عمر بعد الهم به ورجوعه عن ذلك ثم من بعده فهو إجماع على تركه ؛ فلا نتعرض له ؛ لما يترتب عليه من الشناعة والله أعلم.