20%

سلوك هذه المسالك ، سلطان زماننا الملك المالك لصفوة الممالك الأشرف أبو النصر قايتباي ، أعزّ الله أنصاره ، وضاعف اقتداره ؛ فلذلك أجرى الله على يديه هذه العمارة ، وآثره بهذه الأثارة ، ومن تأمل ما قدمناه في الفصل السادس والعشرين في الحريق الأول عن المؤرخين من عمل سقف المسجد على يد من سبق وطول مدته وصفته ، وأحاط علما بما أسلفناه عن سلطان زماننا في عمارته ، حكم يقينا بعلو همته ، وفخار منقبته ومرتبته ، واختصاصه بما لم يفز به من سبقه ؛ فكان هو سابقا ، وإن عد في الزمان لاحقا ، وقد ذكرنا ما له بالحجاز الشريف من الآثار الجميلة ، وبعض مناقبه الجليلة ، في الفصل الثالث والثلاثين في خوخة آل عمررضي‌الله‌عنه لما خصه الله به من حسم مادة المفاسد المترتبة عليها في زماننا ، وأمره بسدّ طابقها ، شكر الله صنيعه ، وحصّنه من العداة بحصونه المنيعة.

خاتمة

فيما نقل من عمل نور الدين الشهيد لخندق حول الحجرة الشريفة مملوء

بالرصاص ، وذكر السبب في ذلك ، وما ناسبه

اعلم أني قد وقفت على رسالة قد صنّفها العلامة جمال الدين الأسنوي في المنع من استعمال الولاة للنصارى ، وسماها بعضهم «بالانتصارات الإسلامية» ورأيت عليها بخط تلميذه شيخ مشايخنا زين الدين المراغي ما صورته «نصيحة أولي الألباب ، في منع استخدام النصارى كتاب» لشيخنا العلامة جمال الدين الأسنوي ، ولم يسمه ، فسميته بحضرته ، فأقرني عليه ، انتهى. فرأيته ذكر فيها ما لفظه : وقد دعتهم أنفسهم ـ يعني النصارى ـ في سلطنة الملك العادل نور الدين الشهيد إلى أمر عظيم ظنوا أنه يتم لهم ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ، وذلك أن السلطان المذكور كان له تهجّد يأتي به بالليل ، وأوراد يأتي بها ، فنام عقب تهجده ، فرأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في نومه وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول : أنجدني أنقذني من هذين ، فاستيقظ فزعا ، ثم توضأ وصلى ونام فرأى المنام بعينه ، فاستيقظ وصلى ونام فرآه أيضا مرة ثالثة ، فاستيقظ وقال : لم يبق نوم ، وكان له وزير من الصالحين يقال له جمال الدين الموصلي ، فأرسل خلفه ليلا ، وحكى له جميع ما اتفق له ، فقال له : وما قعودك؟ اخرج الآن إلى المدينة النبوية ، واكتم ما رأيت ، فتجهز في بقية ليلته ، وخرج على رواحل خفيفة في عشرين نفرا ، وصحبته الوزير المذكور ، ومال كثير ، فقدم المدينة في ستة عشر يوما ، فاغتسل خارجها ودخل فصلى بالروضة ، وزار ، ثم جلس لا يدري ما ذا يصنع ، فقال الوزير وقد اجتمع أهل المدينة في المسجد : إن السلطان قصد زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأحضر معه أموالا للصدقة ، فاكتبوا من عندكم ، فكتبوا أهل المدينة كلهم ، وأمر السلطان بحضورهم ، وكل من حضر ليأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التي أراها النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم له فلا يجد تلك الصفة ،