6%

وروى يحيى في كتابه عن محمد بن يحيى بن زيد النوفلي عن أبيه عن الثقة عنده أن عائشةرضي‌الله‌عنها ذكرت أن بعض نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم دعت نجارا فعلّق ضبة لها ، وأن النجار ضرب المسمار في الضبة ضربا شديدا ، وأن عائشةرضي‌الله‌عنها صاحت بالنجار كلمته كلاما شديدا وقالت : ألم تعلم أن حرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ميتا كحرمته حيّا؟ فقالت الأخرى : وما ذا سمع من هذا؟ قالت : إنه ليؤذي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم صوت هذا الضرب اليوم ما يؤذيه لو كان حيا.

حج السلطان قايتباي

ولم أزل منذ قدمت المدينة أنكر هذا الأمر بالقلب واللسان وكتابة البنان ، ولكن لم أجد على ذلك معينا ، لرسوخ الطباع العامية في التمسك بالعوائد الماضية من غير روية ، وقد نبهت على إنكار ذلك في كتابي «الوفا ، بما يجب لحضرة المصطفى»صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم شافهت في أمره مولانا الهمام ، سلطان ممالك الإسلام ، ذا الشجاعة التي شاعت عجائبها ، والشهامة التي ذاعت غرائبها ، سلطان الإسلام والمسلمين ، ووجهة القاصدين والآملين ، السلطان الملك الأشرف قايتباي ، جعل الله الممالك منظومة في سلك ملكه ، وأقطار الأرض جارية في حوزه وملكه ، فإنه لما حج سنة أربع وثمانين وثمانمائة بدأ بالمدينة النبوية لزيارة التربة المصطفوية على الحال بها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات ، فقدمها طلوع الفجر من يوم الجمعة الميمون الثاني والعشرين من ذي القعدة الحرام ، فلبس لدخولها حلل التواضع والخشوع ، وتحلى بما يجب لتلك الحضرة النبوية من الهيبة والخضوع ، فترجّل عن جواده عند باب سورها ، ومشى على أقدامه بين رباعها ودورها ، حتى وقف بين يدي الجناب الرفيع ، الحبيب الشفيع ،صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وناجاه بالتسليم ، وفاز من ذلك بالحظ الجسيم ، ثم ثنى بضجيعيه رضي الله تعالى عنهما بعد أن صلّى بالروضة الشريفة التحية ، وعفّر وجهه في ساحتها السنية ، وعرض عليه الدخول إلى المقصورة المستديرة حول جدار القبور الشريفة ، المعروفة اليوم بالحجرة المنيفة ، فتعاظم ذلك ، وقال : لو أمكنني أن أقف في أبعد من هذا الموقف وقفت ، فالجناب عظيم ، ومن ذا الذي يقوم بما يجب له من التعظيم؟ ثم صلّى صبح الجمعة في الصف الأول بين فقراء الروضة عند أسطوان المهاجرين بالقرب من مصلاي ، كان بيني وبينه إمامه شيخ الشيوخ الإمام العلامة نادرة الزمان وعين الأعيان برهان الدين الكركي ، فسح الله في أجله ، وأدام النفع به ، ولم يكن بيني وبينه سابق معرفة ، حتى إني لم أبدأه بسلام ولا كلام ، وكذلك السلطان أعزه الله أنصاره وضاعف اقتداره ، لم أتعرف إليه ، ولم يكن ذلك في خلدي ولا عزمت عليه ، ثم توجه السلطان بجماعته لزيارة عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حمزة بن عبد المطلب ومن يليه من شهداء أحد رضوان الله عليهم ، فمشى مترجلا