6%

الفصل الرابع عشر

في زيادة عثمان بن عفانرضي‌الله‌عنه

روينا في صحيح البخاري وسنن أبي داود عن نافع أن عبد الله ـ يعني ابن عمر ـ أخبره أن المسجد كان على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم مبنيا باللبن ، وسقفه الجريد ، وعمده خشب النخل ، فلم يزد فيه أبو بكر شيئا ، وزاد فيه عمر وبناه على بنائه في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم باللبن والجريد ، وأعاد عمده خشبا ، ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كبيرة ، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصّة(١) ، وجعل عمده من حجارة منقوشة ، وسقفه بالساج.

وروى أبو داود أيضا ـ وسكت عليه ـ عن عطية عن ابن عمررضي‌الله‌عنهما قال : إن مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كانت سواريه على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من جذوع النخل ، أعلاه مظلل بجريد النخل ، ثم إنها نخرت في خلافة أبي بكررضي‌الله‌عنه فبناها بجذوع النخل وبجريد النخل ، ثم إنها نخرّت في خلافة عثمانرضي‌الله‌عنه فبناها بالآجر ، فلم تزل ثابتة حتى الآن ، هكذا رأيته في أصول متعددة معتمدة من السنن ، وأورده المجد بلفظ : ثم إنها نخرت في خلافة عمر ـ بدل أبي بكر ـ ولم أره في شيء من النسخ.

وفي هذا الخبر ما يقتضي أن السبب في بناء عثمان للمسجد كون الجذوع التي هي السواري نخرت ، وأن عثمان بناها بالآجر لا الحجر ، فلعل البعض كان في زمنه مبنيا بالآجر وهو بعيد ، وما تقدم من رواية الصحيح أصح.

وفي صحيح مسلم عن محمود بن لبيد أن عثمان بن عفان أراد بناء المسجد ، فكره الناس ذلك ، وأحبوا أن يدعه على هيئته ، فقال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : من بنى «مسجدا لله» بنى الله له في الجنة مثله.

وفيه وفي البخاري عن عبيد الله الخولاني أنه سمع عثمان عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول : إنكم قد أكثرتم ، وإني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : من بنى مسجدا للهعزوجل ، الحديث.

وقوله في الرواية الأولى إن عثمان أراد بناء المسجد يبين أن المراد من قوله حين بناء المسجد حين أراد بناءه ، إلا أن يكون ذلك قد تكرر من عثمان لتكرر كلامهم قبل البناء وبعده ، وهو الأقرب ، وقوله «وأحبوا أن يدعه على هيئته» أي بجذوع النخل واللبن كما فعل عمررضي‌الله‌عنه لموافقته لفعلهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولهذا قال البغوي في شرح السنة : لعل الذي كره الصحابة من عثمان بناؤه بالحجارة المنقوشة ، لا مجرد توسيعه ، اه. ويؤيده ما سيأتي من

__________________

(١) القصّ : الجصّ. وسمي موضع قرب المدينة بذي القصّة لأن به الجصّ.